في بعض الأحيان يحدث اتفاق جماعي على عدم الانتباه لأشياء معينة في غاية الوضوح، يحدث اتفاق على تجاهلها وعدم ذكرها. هذه الحالة تسمى (تواطؤ جماعي) على الشيء. مثلا لنتخيل مجموعة موظفين مع مدير الشركة؛ قد يكون هناك تواطؤ يدفع الموظفين للضحك من جميع نكات المدير، فجميع نكات المدير جيدة مهما كانت سخيفة، وجميع (قفشات) المدير مضحكة ولو كانت غير محتملة، هذا هو (التواطؤ الجماعي)
في الميديا وأوساط الناشطين الليبراليين هناك تواطؤ جماعي على عدم طرح (مراجعات وتساؤلات) بديهية حول الشكل الحالي (للجان المقاومة)، أقول بديهية لأنها حقا بديهية، ظاهرة للعيان وللملاحظة الأولية. هذا التواطؤ الجماعي غير جيد وغير سليم ولا يطور السياسة ولا يدفعنا للتقدم. من أمثلة التساؤلات البديهية:
١- تساؤل حول نسبة عضوية اللجان من عدد سكان الحي؟ مثلا كم نسبة عدد عضوية لجنة مقاومة (حي الطائف) بالنسبة لعدد سكان الحي؟
٢- تساؤل حول الفئة العمرية السائدة في اللجان؟ كم أعمارهم؟ ماهي نسبة توزع العضوية على كل الفئات العمرية؟ ثم ما نسبة عضوية اللجنة من كل فئة بالنسبة للمجموع الكلي للفئة في الحي؟
٣- تساؤل حول مالذي يفعلونه حقا؟ ماهي نشاطاتهم؟ ماهو برنامجهم؟ هل حقا من الممكن الوصول لبرنامج وموقف سياسي كلي يقوم على سكان حي معين؟ هل حقا يمكن الوصول لموقف سياسي يجمع كل الأحياء؟
٤- تساؤل حول ما هو موقع سكان الحي من مستأجري الشقق والبيوت المؤقتين والمتنقلين داخل الحي؟ ما موقف حراس المساجد والبيوت والمدارس والأسر الساكنة هناك؟ ما موقف الساكنين في البنايات؟ وبيوت العزابة؟ بيوت الطلبة؟ المهاجرين الجدد من الريف؟ الغسالين والمكوجية؟ هل نتوقع وجودهم في اللجنة؟ هل نتوقع وجود دافع للإنضمام أصلا؟
٥- تساؤل حول طبيعة المهن في الحي؟ التركيب الطبقي داخل الحي؟ الموقع الطبقي للحي داخل خريطة المدينة ككل؟ تساؤل بديهي حول النزعات الثقافية داخل الحي؟ هل هي واحدة؟ وتساؤل حول التنميط الثقافي للحي على خريطة المدينة ككل؟ تساؤل حول التركيب القبلي للحي؟ وأي الأحياء يمكن النظر لها من هذا المدخل أساسا؟ تساؤل حول العلاقات التعاونية العضوية داخل الحي؟
هذا جزء من تساؤلات بديهية أولية، يتجاهلها النقاش العمومي والسبب واضح ويتمثل في انحياز الناشطين الليبرال لهذا الشكل الجديد للسياسة، فالشكل هنا هو المضمون وكل المضمون ولا شيء غيره. لذا تم تنصيبه كشكل أخلاقي نبيل رومانسي للعمل، وهذا تواطؤ يشبه تواطؤ الموظفين الخبثاء مع مدير الشركة سيء التنكيت.
عموما:
هذه تساؤلات رغم انتباه البعض لها لكن الإجابة النظرية عليها من شأنها الدفع نحو التشكيك في الأسس نفسها التي خلقت هذا البناء وهذا الشكل الجديد، أما الإجابة العملية عليها فهي غير ممكنة إلا بتجاوز جذري للشكل الحالي. ربما نكتب كثيرا وبتوسع أكثر عن كل سؤال ولكن حاليا وعن هذه التساؤلات نقول بإختصار:
١- نسبة عضوية اللجان من سكان الحي ضعيفة جدا، نسبة العضوية الفاعلة أضعف بالطبع؟ نحتاج دراسة ذلك بدقة من أجل الأرقام.
٢- الفئة العمرية للعضوية تتركز من ١٥ حتى ٣٥ سنة، مع نقاط تشتت بسيطة خارج هذا المدى. أما نسبة العضوية داخل هذا المدى من العدد الكلي للفئة من سكان الحي فهي نسبة ضعيفة جدا.
٣- برنامجهم غير موجود وغير ممكن، النشاطات السياسية ذات الزخم هي نشاطات الاحتجاج وجزء كبير من جمهورها غير فاعل إلا في يوم (المهرجان الراقص). برنامجهم غير ممكن لأن الشكل لا يحتمل البرنامج السياسي الكامل. ثم برنامجهم غير ممكن لأن الافتراض الأول حول أن مجرد السكن في الحي يقود لموقف سياسي مشترك هو افتراض خاطئ، الافتراض الثاني حول أن كل الأحياء السكنية ستجمعها من حيث هي أحياء برنامج سياسي مشترك هو افتراض خاطئ لدرجة مضحكة.
٤- موقع سكان الحي من مستأجرين مؤقتين، مستأجري شقق وبيوت عزابة وحراس البيوت وغيرهم من أصحاب الوضعيات غير المتجذرة في الحي -عبر شهادة بحث من الأراضي مثلا!!! – هو وضع غير ذي صلة باللجنة من قريب أو بعيد، ومن ينشط منهم سينشط في اللجنة فقط لأنه من فئة عمرية متقاربة مه بعض أقرانه ومتأثر بالميديا، دخوله هنا ليس ذا صلة بوضعيته الاجتماعية في التركيب الاجتماعي للحي. هذه أمثلة تؤكد تهافت الافتراضات النظرية لهذا الشكل ويؤكد ليبرالية هذا الشكل وفراغه من المشروع الاجتماعي.
٥- التساؤلات حول التركيب الطبقي داخل الحي؟ والتركيب الطبقي للحي وفق وضع المدينة يعكس القانون الذي قلناه من قبل حول التناسب الطردي بين برجوازية الحي وبين قوة اللجنة. ففي حدود المدينة كل ما زاد الحي (تبرجزا ) كل ازدادت قابلية وجود فئات من شباب بصوت عالي حول اللجنة. بالطبع من المهم هنا فهم ظاهرة (التبرجز) بمعناها الثقافي ثم الطبقي. فأحياء الطبقة الوسطى عالية جدا في (معامل تبرجزها) من أحياء طبقات عليا محدودة. بالتالي فإن أقوى اللجان توجد في أقوى الأحياء من حيث نزعتها للتبرجز ( يمكن تسمية ذلك بمعامل التبرجز).
عليه وبما سبق وبما سيأتي من المهم التخلص من حالة الترحيب المنافق الذي يفوق حدود المعقول بلجان المقاومة، يحب التخلص من الدلال الذي نقدمه لهؤلاء الشباب من أجل موقف نقدي مسؤول يقدمنا للأمام.
هشام الشواني