الخبر الاقتصادي والسياسي الأبرز الذي شغل الساحة منذ الخميس الماضي هو موافقة شركة زين الكويتية على العرض الذي تقدمت به شركة انفكتس هولدنغ للاستحواذ على شركة زين سودان مقابل 1.3 مليار دولار.
الشركة التي تقدمت بالعرض هي إحدى شركات مجموعة دال ، وهو ما أدى إلى ردود أفعال متباينة تجاه الصفقة .
البلاد تعاني من ظروف سياسية واقتصادية معقدة جداً. وعدم استقرار أدى إلى هروب عدد من الاستثمارات الى الخارج، خاصة إلى شرق أفريقيا. في روندا وكينيا وتنزانيا ويوغندا باعتبارها مناطق جذب استثماري واعدة . حتى صغار المستثمرين نفدوا بجلدهم جراء بيئة الاستثمار التي أصبحت طاردة في السودان. وسط هذا الواقع يفاجئ أسامة داؤد الجميع برغبته في شراء أكبر شركة اتصالات في السودان بعدد مشتركين يفوق ال 16 مليون مشترك.
المفاجأة والاندهاش من الخبر تاني بسبب ما راج مؤخراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي بنية رجل الأعمال أسامة داؤد بنقل استثماراته الى الخارج. بل إن البعض أكد أن دال شرعت فعلياً في تحويل مطاحن سيقا الى اثيوبيا، وذلك بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية من جهة، ولما وجده أسامة داؤود من مضايقات شخصية من لجنة إزالة التمكين وتفشي الإشاعات .
المفاجأة أيضاً في دخول شركة دال للاستثمار في قطاع الاتصالات المحلي . وذلك بسبب الانهيار الذي بدأ يشهده هذا القطاع خاصة الشركات التي يساهم فيها أجانب .
صحيح أن الاتصالات في السودان كانت من أقوى القطاعات وأكثرها ربحاً لضعف المنافسة مع قلة عدد الشركات التي تملك رخصة الهاتف السيار في السودان . أيضاً لاستقرار الدولار لفترة طويلة مما جعل الاستثمار محفزاً في البلاد . أما في هذا التوقيت فلاشك أن الدخول في أي استثمارات جديدة يعد مخاطرة غير مأمونة العواقب..أما وأن تكون مجموعة دال هي التي تنوي ذلك، فالمؤكد أنها درست بعناية كل الجوانب والاحتمالات والتوقعات قبل الإقدام على هذه الخطوة.
لا توجد غرابة في خروج زين من السودان، بل هو أمر متوقع منذ عدة سنوات نظراً للمشاكل الكبيرة التي عانت منها الشركة لعدم مقدرتها في تحويل عائد أرباحها إلى الخارج بسبب سياسات النقد الأجنبي لبنك السودان المركزي . الأمر الذي جعلها تدخل مجال الاستثمار العقاري للحفاظ على المدخرات. وهو ذات السبب الذي جعل زين سودان تفشل في تطوير بنياتها التحتية ومواكبة التطور المذهل الذي يشهده قطاع الاتصالات في العالم وفي كثير من دول المنطقة من حولنا.
العوائق التي واجهت الشركة في تحويل أرباحها بالعملة الصعبة أدى إلى اتهامات بدخول زين سوق المحاصيل والتصدير للحصول على الدولار ، وهو ما نفته إدارة الشركة مراراً .
ولأن هذا الاستثمار أصبح غير ذي جدوى؛ فقد كان متوقعاً من زين الأم أن تتخلص من وجودها في السودان وبأقل الخسائر.
بعض من الذين علقوا على الصفقة رأوا أن هنالك جهة ثالثة غير معلنة ضمن شراكة دال للاستحواذ على زين . أعتقد أن مبدأ الشفافية المعمول به في الشركات العالمية يمنع مثل هذا الاتجاه تماماً. كما أنه ليس هنالك أي مبرر يجعل من شركة معروفة عالمياً كما دال تلجأ إلى اسلوب (امغمتي) قبل أشهر أعلنت شركة دال وعلى لسان رئيس مجلس إدارتها اسامة داؤود عن الدخول في شراكة مع أكبر مجموعة اقتصادية في دولة الإمارات وهي ايه.اس.جي ستاليونز؛ لبناء فندق ضمن مجموعة المقرن بمبلغ 65 مليون دولار. ولا أظن أن شراكة دال مع مجموعة شركات إماراتية في مشروعات استثمارية بالولاية الشمالية أمراً مخفياً على أجهزة الإعلام والرأي العام.
من المهم تشجيع قطاع الأعمال الوطني في زيادة استثماراته والدخول في استثمارات جديدة في السودان، بدلاً عن البحث عن نظرية المؤامرة، محاولات التدمير المعنوي التي تجعل رجال الأعمال يهربون إلى دول أخرى تقدم لهم الامتيازات وتستفيد منهم لتطوير اقتصادها.
برغم الظروف السيئة التي تعاني منها البلاد فإن دخول مجموعة دال بديلاً لزين قد يبعث برسائل تطمينية حول مستقبل الاستثمار في السودان، وهي خطوة جيدة لجذب استثمارات محلية وخارجية في قطاعات أخرى .
يبقى الأمل في أن يكون هذا التغيير لمصلحة المشتركين بإدخال تقنيات وتحديثات على الشبكة ، وأيضاً أن تغطي كافة مناطق السودان . وهذا لن يتم إلا بضخ أموال إضافية قبل البحث عن الأرباح .
صحيفة اليوم التالي