بعد ثلاثة أعوام من الثورة وعام من عودة قيادات الكفاح المسلح ما يزال البحث جارياً وما يزال الهتاف يتردد في الآفاق (وينو السلام وينو ودارفور بتنزف دم) في اليوم العالمي لحقوق الإنسان تخبر التقارير عن سقوط ما يزيد عن 160 مواطناً سودانياً في إقليم دارفور جراء الأحداث المشتعلة هناك والتي تنبئ عن المزيد من الضحايا بل أن البعض هناك يصف الأوضاع بأنها الأكثر سوءاً مما حدث في العام 2003 وأن الإقليم بات خارج سيطرة الدولة.
كرينك حصيلة أولية
أعلنت لجنة أطباء ولاية غرب دارفور- الخميس- عن حصيلة قتلى النزاع الدموي بالولاية التي بلغت 138 قتيلاً و106جرحى.وقالت لجنة الأطباء- في بيان اطلعت عليه السوداني إن الأحداث الدموية بمحلية “جبل مون” أقصى شمال الولاية التي تجددت يوم – الأربعاء- خلفت حصيلة جديدة من القتلى والجرحى وخسائر في الممتلكات وإحراق قرى.وأضاف البيان اللجنة أحصت اليوم الخميس وقوع 25 قتيلاً و8 جرحى في اشتباكات مسلحة وقعت في قرية “تنجكي” بمحلية “سربا” المجاورة لمنطقة جبل مون، ليرتفع عدد القتلى منذ بداية النزاع في 7 نوفمبر الماضي وحتى اليوم إلى 138قتيلاً و106جرحى.وعزت اللجنة ارتفاع الوفيات وسط الجرحى بسبب صعوبة ايصالهم الى المرافق الطبية، وافتقار المستشفيات الريفية الى الامكانات اللازمة لإنقاذهم. ووصف البيان انتشار المجازر في الإقليم دون تدخل الحكومة وهو مؤشر لعدم رغبة الحكومة في حفظ أرواح وممتلكات المواطنين. رغم أن المبرر الرئيسي لعودة رئيس مجلس الوزراء الى منصبه عقب انقلاب 25 أكتوبر كان هو حقن الدماء السودانية.
سلام مع وقف التنفيذ
عقب اندلاع الاحداث في دارفور وتبادل الاتهامات وتوجيهها الى مجموعات بعينها انطلق السؤال حول الموقف المطلوب القيام به من قبل قيادات الحركات المسلحة والموقعين على اتفاق جوبا للسلام من أجل إيقاف نزيف الدم في الإقليم بينما كان السؤال الأكثر إلحاحاً هو ذلك المتعلق بمساهمة اتفاق سلام جوبا في إيقاف الحرب هناك وتهيئة المناخ لقيام مشاريع التنمية وعودة النازحين الى قراهم عقب اندلاع الأحداث في جبل مون غرب دارفور كان حاكم عام إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان أركو مناوي في نيالا حاضرة جنوب دارفور وفي زيارة قصيرة للاقليم الذي يديره من العاصمة الخرطوم حيث تأسف الحاكم على ضحايا أحداث العنف بالإقليم، متهمًا أيادٍ -لم يسمّ أصحابها- بالتورط في الأحداث، لتحقيق مصالحهم على حساب استقرار الإقليم. وهاجم القيادي بحركة العدل والمساواة ابراهيم الماظ قيادات حركات الكفاح المسلحة الموقعة على اتفاق السلام وحملها مسؤولية الدماء التي أريقت في الاقليم عقب التوقيع على اتفاق جوبا واضاف الماظ ان هذه القيادات تتحمل المسؤولية الاخلاقية لما يجري.
تحركات حكومية ولكن
دفعت السلطات في الخرطوم بقوات مشتركة من الجيش والشرطة والدعم السريع والمخابرات العامة والحركات المسلحة إلى الإقليم في محاولة لتدارك الأوضاع قبل فوات الوقت في الوقت الذي حذر فيه البعض من الارتدادات السلبية للخطوة نفسها لجهة ان الحكومة دفعت بقوات قوامها افراد ينتمون لاطراف الصراع المحتدم الآن في وقت تعلو فيه قيمة الانتماء الاولي على ما دونها من انتماءات في الاقليم وفي مسرح الصراع في الاشارة للدور المنتظر من مكونات سلام جوبا في تحقيق الاستقرار تجدر الاشارة إلى أن والى ولاية غرب دارفور التي يندلع فيها النزاع الآن هو أحد جنرالات حركات الكفاح المسلح التي وقعت على اتفاقية جوبا ونال منصبه بناء على محاصصاتها في قسمة الثروة وبالتالي فان هنا تبرز وبشكل كبير الازمة التي تعيشها دارفور الآن وهي الازمة التي من الممكن ان تتمدد لتشمل بقية اجزاء البلاد في ظل انشغال مكونات الحكومة المركزية في الخرطوم بتثبيت كراسي حكمها وان تم ذلك على حساب الاستقرار وتحقيق الأمن في الاقاليم البعيدة وعلى راسها اقليم دارفور.
قلق أممي
ابدت الامم المتحدة قلقها الشديد على ما يجري في الاقليم عقب واحدة من اكثر الموجات عنفاً بضحاياها وبالذين فروا من الموت باتجاه دولة تشاد المجاورة وكشف المنسق الرئيس لمفوضية اللاجئين في دارفور، توبي هاروارد، عن فرار نحو 10 آلاف مواطن إلى دولة تشاد، معظمهم نساء وأطفال، قادمون من منطقة جبل مون التي تعاني من تصاعد أعمال العنف إلى حد كبير. وتحدث هاروارد في مؤتمر صحفي عن 200 حادثة عنف أُبلغ عنها في الإقليم خلال العام الجاري، في ظل عمليات تدمير للقرى، وعنف جنسي، وسرقة للمواشي. وبحسب التقارير فقد بدات الاحداث المؤسفة في المنطقة عقب عملية سرقة للمواشي اعقبتها حالة تحشيد قبلي ادت للمواجهات التي ساهم فيها بشكل كبير السلاح المتوفر لدى الاطراف كلها وغياب الحسم الرسمي من قبل السلطات الرسمية أو تعاملها مع الاحداث بحالة من عدم اللا مبالاة وهو أمر لم يكن جديدا في التعاطي مع المشهد الدارفوري ومع مشهد النزاعات القبلية في أطراف البلاد المختلفة.
الموت الأصفر
لكن في ثنايا الصراع الدائر الآن في الاقليم ثمة عامل جديد يصعد على السطح هذه المرة هو الصراع بين المكونات المختلفة من أجل السيطرة على الذهب وبحسب المتداول فإن جبل مون الواقع علي بعد 50 كيلو من مدينة الجنينة يزخر بموارد تعدينية كبيرة وعلى راسها الذهب وهو أمر لم يكن يعرفها المكون المحلي الذي يقطن في المنطقة ويعلمه آخرون من مجموعات أخرى وهو الأمر الذي أدى للنزاعات في وقت سابق بين المكونات المحلية في سبيل سعيها للسيطرة على الجبل وموارده المفارقة أن تقريراً لصحيفة الشرق الاوسط اكد على ان النزاع الدائر الآن هو نزاع يقوم علي اساس محاولات السيطرة على الذهب هناك وهو صراع تدخل فيه كل المكونات بما في ذلك المكونات المسلحة فيما يقول آخرون أن الهدف الأخير من الصراع الدائر الآن هو إفراغ المنطقة من المواطنين المقيمين فيها وذلك من اجل توفير بيئة التعدين وتحقيق المكاسب لهذه المجموعات وهو امر يشير إلى أن النزاع من الممكن أن يستمر أكثر.
عامل جديد
في الوقت الذي تتابع فيه المواكب الجماهيرية في كل مدن السودان مطالبة بايقاف الموت المجاني في دارفور وتحديداً في منطقة جبل مون يخرج من يقول بان هذا الأمر صعب في الوقت الراهن عقب دخول عامل جديد في النزاع وهو الرغبة لدى جهات بانجاز تهجير قسري للمواطنين من المنطقة لصالح شركات أجنبية ترغب في التنقيب عن الذهب ويحلل المهتم بقضايا السلام منتصر الزين ما يجري الآن باستخدام عامل جديد في الصراع يضاف للعوامل القديمة يطلق عليه منتصر مصطلح اللصوص والدولة النهبية مضافاً لذلك التحولات السياسية والتغيير في طبيعة النظام السياسي طبيعة الدولة والنظام السياسي السائد بعد الثورة على دكتاتورية البشير ؛ فبعد تحلل مؤسسات الدولة السابقة بسبب حروب الاستنزاف، تشكلت دولة تحت سيطرة قوى الحرب التي لا تنظر إلى الدولة إلا كغنيمة تم اكتسابها بقوة السلاح ، والتي يسيطر عليها أمراء الحرب مشكلين نظام يصطلح عليه بنظام اللصوص Kleptocracy system الذي يفكر بنهم شديد لنهب الموارد المعدنية ممثلاً في الذهب الذي يمثل المورد الأساسي لهذا النظام ، كالبترول في فترة النظام السابق. نظام سلطة لحاكم فرد بدون أي هيكل سلطة محدد بقيادة أحد أمراء الحرب، والذي يسيطر ضمن قسمة السلطة على وزارة المعادن كحاكورة قبلية ولا يضع نصب عينيه سوى الحديث عن الاستثمار برفقة شخصيات إماراتية ليست لديهم أي صفة تمثيلية لدولة الإمارات.
التحديات الماثلة
وفقا لمنتصر فان دخول عاملي اللصوصية والنهبية في خط النزاع في دارفور ، سيشكل تحدياً حقيقياً لسلام المجتمع واستقرار الدولة في السودان في الفترات القادمة ، وستدفع مكونات المجتمع في دارفور ثمناً باهظاً جرائها في ظل الانقسام الذي تعيشه بسبب استثمار أمراء الحرب لها لصناعة الفوضى؛ مما يضع مسؤوليات متعاظمة على عاتق السودانيين بشكل عام ، وأبناء دارفور على وجه الخصوص في التصدي لمقاومة نظام اللصوص وإصلاح الدولة فهو الطريق الوحيد من أجل إنهاء النزاع في الإقليم وبالطبع فإن الأمر لا يمكن تحقيقه إلا بتغيير كامل لمعادلة السياسة الراهنة في البلاد خصوصاً وأن ما يجري في جبل مون قد يمكن تطبيقه في أماكن أخرى.
الخرطوم: الزين عثمان
صحيفة السوداني