“وتلك مناي أجمعها مشت بي.. إليك خطى الشباب المطمئن”
ملاحظة طريفة حول مشية الرجل السوداني – جديرةٌ بالوقوف – سمعتها من السيدة جريزلدا زوجة الراحل عبد الله الطيب، مفادها أن الرجال السودانيين من جيل زوجها – رحمه الله – كانت لهم مشية مميزة، الرؤوس مرفوعة، والأبصار شاخصة، والأعناق مُشرئبة، والأكتاف مستوية..!
مشية رجال زمان – برأيها – كانت تعبر عن اعتداد وثقة بالنفس، على عكس شباب اليوم الذين يمشون بظهور منحنية، ورؤوس مطرقة، وأبصار زائغة..!
الحديث عن المتغيرات التي طرأت على مشية الرجل السوداني، وربطها بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ليس مبالغة, بل قراءة تاريخية في تضاريس ومناخات “الرجالة” السودانية التي قد تتأثر بعوامل التعرية الاقتصادية والعولمة الثقافية..!
المشية – على إطلاقها – أخذت نصيباً وافراً من اهتمام الأدباء والشعراء وملاحظاتهم التي ضمنوها في الكثير من أشعار الفصحى والعامية. ومن ذلك صورة ابراهيم ناجي الشعرية الشهيرة “واثق الخطوة يمشي ملكاً.. ظالم الحسن شهي الكبرياء”، فالمشية الواثقة دليلٌ على اعتداد المرأة ومبعث خوف للرجل، إذ ما أكثر الخيبات والطعنات العاطفية التي تصدر عن النساء اللاتي يمشين باعتداد..!
أما المشية الماهلة فقد مدحها الأعشى في وصف ملهمته هريرة “تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل”.. وانتمى إلى ذات المزاج شعراء محليون نظموا افتتانهم بـ”جنى الوزين يمشي بي مهلة”، فالخطوة الماهلة دليلٌ على انتفاء صفة الخِفّة و”الرواشة” عن الحسناء الرزينة..!
هذا ما كان من أمر التقييم الرومانسي، أما الربط الموضوعي بين نوع المشية وشخصية الإنسان, فقد تكفّلت به أبحاث علمية أخذتها الولايات المتحدة الأمريكية على محمل الجد، بل وخطّطت لاستخدامها كبديل للبصمة في تمييز المُشتبه بهم في قضايا مكافحة الإرهاب من خلال استخدام برامج خاصة على الحاسوب، فيما يشبه جهاز الرادار الذي يصنف ماهية الأشخاص وسلوكهم بناءً على طبيعة مشيتهم التي يتم اختبارها
من على بُعد 500 قدم..!
بعض الدراسات التي أُجريت على “مشية الإنسان” تؤكد أننا إذا استبعدنا العيوب الجسمانية والحالات المزاجية والظروف الخارجية الطارئة فيمكننا أن نستدل على سلوكيات وصفات الشخص من خلال التأمل في طبيعة مشيته..!
فالمشية الفوضوية تدل على عدم الإحساس بالأمان والتردد في اتخاذ القرارات، والمشية السريعة تدل على النشاط والحيوية والمقدرة على حل المشاكل، أما الخطوات النشيطة بلا ضجة ملفتة فتدل على الهدوء والرقة وحلاوة المعشر..!
والمشية البطيئة الماهلة تدل على الاعتزاز والثقة بالنفس وحُب الحياة الأسرية، والمشية الثابتة تدل على الحزم والجدية، بينما تدل المشية الرشيقة على احترام النفس والشجاعة، أما المشية المختالة فهي – إلى جانب دلالتها على الغُرور والكِبر – تدل على ضيق الماشي بقيود المجتمع ورغبته في تحطيمها، وقديماً قال فيلسوف بحجم “نيتشه” إن كل الأفكار العظيمة تولد أثناء المشي..!
منى أبو زيد
صحيفة الصيحة