أماني إيلا
الثابت في جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك في معايير ومقاييس عدالة وشفافية الدولة ومؤسساتها؛ هو تساوي جميع أفراد الدولة في الحقوق المدنية وأمام القوانين الحاكمة للعلاقات بين الأفراد والمؤسسات والكيانات المختلفة المكونة للدولة، وتختل موازين العدالة وتفقد الدولة شفافيتها وانضباطها القانوني في نظر مواطنيها، وفي نظر العالم الخارجي فور غياب مبدأ (المساواة أمام القانون) بين جميع أفراد الدولة الواحدة. والمبدئية السياسية النزيهة و أخلاق الإنسانية السمحاء تستوجب الإيمان بأن (الحرية والعدالة) هي حقوق إنسانية مجردة، وهي حق للجميع، دون استثناء، و دون تسييس، ودون محاباة، و يجب إثباتها لمن نختلف معه قبل أن نمحنها لمن يوافقنا الرأي، و إن لم نفعل ذلك، فما بلغنا بعد مبلغ الإيمان الكافي لنكون أهلاً للتمتع بهما أو أن نقف على قمة ثورة أو دولة تنادي بهما.
ولن يُعجِز المراقب، الداخلي والخارجي، لمستويات العدالة و الشفافية، بل وحتى الحرية بدولة ثورتنا المجيدة أن يرى الثقوب الكبيرة و الكثيفة التي يمتليء بها ثوب العدالة و الشفافية حتى لا يكاد يستر عورة الثورة التي جاءت تنادي بشعارات (حرية، سلام، و عدالة )!!
ف(الحرية) للأسف أضحت هي أن تلبس وتأكل وتدخن وتتعاطى ما يعجبك وأن تتعرى و ترقص و (تترس طرق عبور الناس) كيفما تشاء، لكن إياك إياك أن تقول ما لا يعجب من اختطفوا الثورة بليل بهيم وجعلوا أنفسهم حراساً لها دون سند شرعي أو شرعية بتفويض شعبي متفق عليه! والحرية في القول والفعل السياسي وفي المشاركة في تحديد مصير كامل الأمة والوطن، كان حتى إجراءات 25 أكتوبر حكراً على من وقع على إعلان سياسي بائس ل(قحت) البائدة التي منحت لنفسها حق تصنيف الخلق لمواطنين كاملي الأهلية و أنصاف مواطنين، بل وسحب حقوق المواطنة المتساوية من فئات كثيرة بسبب اختلاف الرؤية السياسية، فاحتكرت لنفسها 67% من صنع القرار في كامل مصير الوطن، وجعلت الأغلبية للإجازة على مقاسها بذات النسبة !! و فاقت في ذلك بؤس المؤتمر الوطني الذي منح نفسه في دستور العام 2005م فقط 52% من مجلسه التشريعي وجعل إجازة القرارات فيه بنسبة 75%!! .
أما العدالة، موضوع مقالنا، فاختلالها البائن منذ اندلاع الثورة لن يخفى إلا على من في عينه رمد، أو بنفسه مرض أو غرض، وسوف أسوق دليلاً على اختلالها هنا فقط ثلاثة مظاهر خطيرة، أولهما عدم اكتمال هياكل المنظومة العدلية بعد مضي قرابة الثلاث السنوات من الثورة، فكيف بربكم تستقيم عدالة بلا محكمة دستورية وبلا محكمة استئناف عليا، وبلا رئاسة قضاء مستقلة و نيابة عامة غير مسيسة ولا مدجنة!؟ وكيف تستقيم عدالة يقوم بتعيين القائمين عليها أحزاب سياسية تتحاصص المناصب كما الكيكة؟ و ثاني مظاهر اختلال العدالة هو شروع الثورة منذ قيامها في (تفصيل قوانين لفئات محددة من المواطنين) و هذا في ميزان العدالة الإنسانية والدولية منافٍ تماماً للعدل و المساواة بين الناس، أما القوانين. فالقوانين العادلة تكون ذات طبيعة كلية شاملة لا تصف ولا تحدد فئات أو كيانات محددة تنطبق عليها، ومثال قانون تفكيك النظام السابق وحل كثير من المؤسسات العامة والشخصية، بل وحتى حل حزب معين يجب أن يتم وفق قانون عام و شامل يحكم جميع الأحزاب و ليس وفق شرعية متوهمة توضع في أيدي فئة حزبية لتكيد بها لفئات أخرى تختلف معها في رؤاها ومواقفها السياسية.
وثالث أخطر مظاهر هذه العدالة التي تمشي على عكازة العرج هي التجاوزات الكبيرة التي حدثت، و لا زالت تحدث، حين أخذ البعض كافة صلاحيات و أدوات إنجاز العدالة فأصبح يمارس الاعتقال والتفتيش والحبس و حرمان المواطنين من حقوقهم المدنية و من حرياتهم دون مسوغ قانوني واضح، وسجون الثورة الآن بها العشرات من المعتقلين لسنوات خلت دون توجيه تهم أو تقديم لمحاكمة أو صدور أحكام قضائية بحقهم، و لعل أبرز ضحايا هذا الاختلال العدلي الخطير هو الدكتور الشاب محمد علي الجزولي الذي تجاوز العامين و النصف حبيساً دون أن يقدم إلى أي محاكمة، و الناشط السياسي معمر موسى وصديقه بطرس اللذان مكثا لأكثر من عام دون توجيه تهمة و تم إطلاق سراحهما هكذا دون محاكمة أيضاً !! ومن مكث بالسجن حتى توفاه الله ثم أثبتت المحكمة براءته بعد موته، ومن مات في سجنه دون توجيه اتهام لأكثر من عام و نصف، ومن أمثال بعض قيادات المؤتمر الوطني السابق ممن لم توجه لهم تهمٌ، ولم يجرِ حتى التحقيق معهم حتى هذا التاريخ.
من يهتف بالحرية و العدالة عليه أن يثبت هذا الحق لخصومه قبل نفسه، وأن يحرص على تطبيقها عليهم مثلما يحرص على نفسه، و ليتذكر الجميع أنه كما تدين تدان، و أن كأس الظلم دوارة إن هي دارت فلن تستثني أحداً.. وتلك الأيام نداولها بين الناس.
صحيفة اليوم التالي