السياسة والفكر والثقافة تعود إلى الفيسبوك السوداني بعد إجراءات طلاق 25 اكتوبر

عودة السياسة و الفكر و الثقافة إلى الفيسبوك السوداني بعد إجراءات طلاق 25 اكتوبر ما بين السلطة و جمهور ثورة ديسمبر.

عادت كتلة كبيرة من الناشطين و الثوار و المثقفين إلى موقعها الطبيعي؛ ضد السطلة. هذا هو الموقع الطبيعي للجماهير و للناشط و للمثقف. السلطة تملك القوة المادية، و هي ليست بحاجة إلى مؤيدين و أتباع بقدر ما هي بحاجة إلى معارضة راشدة.

ما كان يحدث خلال الفترة الماضية من عمر ما يُسمى بالفترة، كان شيئاً خطيراً و مرعباً. كانت هُناك سلطة تساندها كتلة كبيرة من الأتباع و المؤيدين و الموالين و المتواطئين، و كانت تملك آلة دعائية جبارة، تعمل على تبرير سلوكها، و تبرير حتى أخطاءها الكارثية على أنها انجازات عظيمة. تحول ثوار و ناشطين و مثقفين و أشباه مثقفين إلى حارقي بخور للسلطة، و اصبحنا نرى تأييد الممارسات القمعية و مختلف أشكال الانتهاكات و كأنها عمل بطولي تقوم به سلطة الثورة. لجنة التمكين سيئة الذكر، و التي هي عبارة عن وصمة عار على الثورة و على تاريخ السودان، كانت تُعتبر هي روح الثورة، و لا يجرؤ أحد على انتقادها بسهولة؛ رئيس الوزراء إذا عطس ستجد من يكتب قصيدة غزل و تمجيد لهذه العطسة العظيمة و يصفق لها الناس؛ مجرد وصول باخرة قمح إلى الميناء حتى لو كانت منحة يُعتبر خبراً صحفياً، و إنجازاً للسلطة؛ حصاد المحاصيل كحدث عادي يتكرر لسنوات يتحول لإنجاز ؛ عمل روتيني لصيانة ترعة في ركن بعيد داخل مشروع الجزيرة يتم تصويره كإعجاز ؛ زيارة مسئول غربي يتم تصويرها و كأننا أصبحنا قبلة مقدسة، أما زيارة رئيس الوزراء لدولة غربية او المشاركة في مؤتمر، حتى لو كانت مشاركة بغرض التسول، فهذا يُصور كأنه فتح لقارتي أوربا و أمريكا. كل ذلك تقوم به آلة إعلامية من نشطاء و كتاب و إعلاميين ثم يتبعهم القطيع الأكبر من جمهور الثورة.

هذه الآلة الضخمة توقفت عن الضجيج بعد الطلاق مع السلطة. و بعد الفورة الهرمونية التي اعقبت الطلاق، عاد الهدوء من جديد، حتى أن الاحتجاجات أصبحت تميل أكثر نحو التنظيم و الفعل السياسي مهما تخللها بعض الرقص و الغناء و لكنها تتجه نحو السياسة، أو هذا ما نأمله على الأقل. و هذا أمر جيد. أن تتكلم لجان المقاومة حتى لو كانت واجهات لأحزاب عن طرح سياسي، عن ميثاق مثلاً يعني ان تحاول أن تتكلم مع الناس، أن تفكر و تأخذ و تعطي. هذا بالطبع أفضل من التصفيق لعبدالله حمدوك و وجدي صالح. و أصبحنا نرى شيئاً فشيئاً دعوات للحوار و للتسويات.

طلاق 25 اكتوبر فرض على قوى الثورة البحث عن شرعية جديدة، شرعية سياسية هذه المرة، لا تكتسب بالهياج و الصراخ و إنما بالخطاب و الطرح العقلاني. و هذا جيد للساحة السياسية.

السلطة دائماً يجب أن تكون في موضع المتهم، و ليس البطل، و الجماهير يجب أن تكون ضد السلطة، و ليس في صفها. هذا هو التناقض الذي يقودنا إلى الأمام. و هو ما سيحدث.

حليم عباس

Exit mobile version