أوردت صحيفة السوداني الدولية أمس عنواناً ضمن خطوطها الرئيسة للأخبار نصه:( لجان المقاومة وقوى ثورية يعتزمون الاعتصام بالسفارة الأمريكية في مليونية 19 ديسمبر)… لا مراء ولا جدال البتة في أن عنوان الخبر صادم للغاية، وهنا لا بد لنا أن نتساءل ونبحث عن الجهة التي اهتدت إلى هذه الخطوة الحارقة لثورة ديسمبر، وللثوار والتي من شأنها أن تشكل دعماً كبيراً لدعاة الشمولية والحكم العسكري وتخصم كثيراً من رصيد دعاة المدنية.. وفي ظني أن الدعوة للاعتصام أمام السفارة الأمريكية هي حلقة قبيحة من حلقات التآمر على ثورة ديسمبر، فاحذروا الغفلة أيها الثوار الشرفاء.
(2)
قبل أن نخوض في كشف خفايا هذه الدعوة وأهدافها المشبوهة، ومخاطرها على الثورة فلا بأس أن نُذكِّر الثوار والثائرات ببعض دروس التاريخ العالمي لاستلهام العبر… يُحدثنا التاريخ الكوني في أوروبا والعالم العربي والإسلامي أنه على مر التاريخ كان الاستقواء بالأجنبي والاستنجاد به هو المدخل الحاسم لانهيار الممالك والإمبراطوريات والثورات، فبه توسعت بلاد الأندلس واستمرت “8” قرون وتمددت في ممالك الأسبان، وبه أيضاً كان استرداد الأسبان لأراضيهم وطرد المسلمين منها بعد 800 عام من الحكم… والسبب نفسه هو الذي مكّن المغول من احتلال ولايات الدولة العباسية حينما تقاطر الحكام العرب على “هولاكو” للاستقواء به وطلب النجدة للانتصار على بني جلدتهم… هذه دروس لا يجب أن يغفلها عاقل وكثيراً ما يعيد التاريخ نفسه، ولكن من يعتبر؟….
(3)
إذا عُدنا إلى الدعوة للاعتصام أمام السفارة الأمريكية، فإني أرى فيها حلقة جديدة من حلقات التآمر على ثورة ديسمبر وتشويه لها وإلباسها ثوب العمالة والتخوين، ولا أشك مطلقاً أن العقلية التي تقف وراء هذه الخطوة إنما قصدت إظهار ثورة ديسمبر المسلحة بالسلمية والوعي والقيم الوطنية في ثوب الارتزاق والارتهان للأجنبي وترسيخ الدعاية التي تصور الثورة بأنها ثورة حملة الجوازات الأجنبية وعملاء أمريكا والغرب، وذلك لخلق هوة بين الثورة والشارع السوداني العريض الذي يعاف الاستقواء بالأجنبي ويمقت التدخل الخارجي في شؤونه…
(4)
على لجان المقاومة المحترمين، وعلى الشباب الواعي ألا ينساق وراء مثل هذه الدعوات التي تريد النيل من عزة وكرامة ووطنية الثورة السودانية، فمهما يكن الغرض والنوايا من هذه الدعوة فإن المحصلة النهائية ستكون وبالاً على الثورة بعد التصاق صفة العمالة بها، ومتى كان شباب السودان عاجزاً عن بلوغ أهدافه حتى يستنجد بالسفارة الأمريكية بالخرطوم… الشارع السوداني بسلميته ووعيه الشعبي أقوى من السفارة الأمريكية ومن الأحزاب التي تتلمظ لما عند السفارات، وأقوى من تحالفات الساسة والعسكر السرية والعلنية… تذكروا دائماً أن الهدف النبيل لا ينبغي أن يكون الوصول إليه بوسيلة مشبوهة فهذا سيفسد لذة الوصول للهدف بلا أدنى شك، فإياكم والوقوع في هذا الفخ الذي ما قصد به إلا إخماد جذوة الثورة..
(5)
ثمة أمر في غاية الأهمية وهو أن من يظن ولو للحظة واحدة أن أمريكا نصيرة للشعوب المستضعفة أو أنها حامية للديمقراطية وحقوق الإنسان فعليه أن يراجع حساباته ويعود بالذاكرة لتاريخها الراهن وإلى تأييدها لمجازر إسرائيل في فلسطين واغتصاب أرضها، وغزوها للعراق وممارساتها في سجون “أبوغريب” و”غوانتنامو”، وغزوها لبنما في عام 1989 إبان حكم الرئيس جورج بوش الأب، واعتقال رئيس بنما مانويل نورييغا… لا أعتقد أن أحداً لا يعرف أن أمريكا تقدس مصالحها وحسب، وتسعى للتدخل في شؤون الدول باستمرار وبدون (دعوة) للاعتصام، أرجوكم لا تلوثوا ثوب النضال الناصع وأبقوه بعيداً عن الشبهات…..اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة