قذاذات وجذاذات
مركز الضاد للدراسات العربية
بروفيسور عمر محمد الحسن شاع الدين
التاريخ :24/11/2021م
prof.shaa@gmail.com
1-يقينا يصيبنا الحرج عند سماعنا نسبة (التهكم) للقرآن الكريم ، والراجح أن هذا هو السبب الذي جعل البحاث في أساليب القرآن، لا يتناولونه عريضا بمثلما نجد غيره مضيضا، لكني أذكر أني قرأت كتابا يدرس هذا الموضوع ، ربما يكون قد صدر في السبعينات من القرن الماضي ، لكن الآن لا أعرف مؤلفه ، ولا أجده في المكتبات .
كنت وأنا أتلو القرآن راتبا أجدني في مرات كثيرات ينتباني ما يشبه الضحك جراء ما أصبت من أسلوب السخرية الذي ينهجه القرآن أحيانا ، ابداءً لرأيه القاطع في قضايا وجماعات استحقت استخفافه ، وهو غضب المسلمين قاطبة ، كأنه يشرح مشاعرهم وينقل رأيهم المتهكم بأولئك فهو ترجمان العقيدة ، وجهاز الإعلام القوي الذي طالما رد الصاع أصوعاً ، وردع الظالمين. وهنا السخرية مصدرها الله تعالى، هي عن لسان العباد المؤمنين به يريدون احتقار الكافرين وزرايتهم والاستهزاء بهم .
في الحسبان أن مثل هذا الغضب والهجاء يكونان رد فعل خشن يناسب البداوة ، وأن السخرية تكون ردّ فعل ضاحك ، يناسب التحضر ، ثم يوحي بامتلاك زمام النفس ، وتوفر الثقة ، والانتصار ، وهنا أجزم أن هجاء شعراء الشرك للنبي الكريم كان خشنا ، يكشف عن غلظة طبعهم وجلافتهم، ثم اجزم ان رد شعراء الإسلام كان غاضبا في سخرية، يدفعك إلى أن تضحك بمثلما نفعل عند قول سيدنا حسان في هجاء ابي سفيان لما جعله مجوفا نخبا هواء، وهو تعبير نعرفه الآن في كلامنا نصف به الجبناء في سخرية ( منفوخ ساكت ) ،وهو ليس فيه اقذاع وفحش، وهو بهذا يناسب لطف العطاء ( روح القدس ) الذي اختاره النبي الكريم معينا ونصيرا للشاعر في معركته، وهو بهذا اقرب لسلاح السخرية ، هو قوي يستهدف الانفس المنفوخة ! المنخربة ! المنخوبة(أفئدتهم هواء ). وهنا تبدو السخرية مستجيبة لبصائر علم النفس والاخلاق تستهدي بمسالكها المؤلمة . كانت سخرية الكافرين سلاحا له مضاء كاد أن يؤثر في النفس المؤمنة ما دفع القرآن للمعالجة : ( ولقد أستهزئ برسل من قبلك فحاق باللذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون) ثم يتعهد القرآن الكريم بحماية النفس المؤمنة من أغراض وأعراض الاستهزاء ( إنا كفيناك المستهزئين).
الراجح أن الاستهزاء كان سلاح المنافقين أولا ، ومع ما يخلفه من حرج إلا أنه بهم أكثر ضررا من صراح التكفير أو صراعه، ذلك أنه يعوّل على الاحراج الذي يكون باللسان طورا وباليد أطوارا، ترى كيف نقل لنا القرآن خبث اليهود الذين استغلوا توافق الصوت في اللفظ العبري(راعي) مع مثيله صوتاً اللفظ العربي مع اختلاف المعنيين (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا)، وفي التفسير شرح وافي : كانت اليهود تسابُ بهذه الكلمة بينها، وكانوا يسبون النبي عليه السلام في نفوسهم، فلما سمعوا هذه الكلمة إغتنموا أن يظهروا سبَّه بلفظ يسمع ولا يلحقهم في ظاهره شيء ، فأظهر الله النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين على ذلك ونهى عن الكلمة.
نحن في عاميتنا الفصيحة نقول للآخر: راعيني ، نريد أن ينظرنا ، ونقول : راعي بعيد: انظر بعيدا ، وهنا نلاحظ أن السخرية كانت بمفردة واحدة .
قلت : في الآية ( لهم في جهنم مهاد ) ، المهد : فراش الطفل ( كيف نكلم من كان في المهد صبيّا) ، ويكون وثيرا وسهلا!.
أن الصورة الساخرة تجعل مهادهم في جهنم وثيرة! هكذا مهّد الله لهم مكانا يليق بهم جراء ما اثموا ! وكأنما المراد الإشارة إلى أن مهاد المؤمنين ،ـ تكون في الجنة هنا وحدها هي الوثيرة، هنا ما وجدته في أشهر التفاسير لا يفيدنامرادات الصورة الساخرة التي نخالها: ان جهنم وهي تميزّ من الغيظ يصدر عنها صوت الرغبة المحمومة المسعورة لالتهامهم ، هي عندما تهمهم تمهم وتزمزم شوقا لهم ، هنا انظر قدر سخرية جعل جهنم ترى الكافرين !! ثم صدور صوتها الجائع الذي يسمعه الكافرون فيدخلهم الرعب.
انظر المفارقة أن الزمخشري جعل صوتها يشبه صوت المتغيظ ، بينما مراد السخرية حقيقة أن صوتها المتقيظ غرما لعزابهم ، وليس المراد التشبيه !.
• في سورةالأنبياء نجد إجابة عن سؤال : من فعل هذا بآلهتكم ؟ فعله كبيرهم! كان هذا القول بعد أن ( فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ) السخرية التامة في ( إلا كبيرا لهم) إذ تركه قصدا كيما يساعد عقولهم الخربة في قبول اسناد الفعل له . ثم هو النافذ القادر في تصورهم، أما قوله ( لعلهم اليه يرجعون )_ فهو سخرية تسترفد اعتقادهم بنفع الأصنام وضرّها ، وما دام الأمر بمثل هذا فلا مشاحة إن رجعوا إليها يسألونها إن كانت تجيب ، عن الذي فعل بهم هذه الفعلة الشنيعة ( جعلهم جذاذا ) ، هنا حقيقة السخرية أنه يعلم .. وانهم يعلمون . لا إجابة شافية هنا.
اشتات
1- مجلة الهلال المصرية ، صدر العدد الأول منها في 28/8/ 1892م شهرية بالقاهرة اللافت للنظر أنها لم ينقطع إصدارها أبدا حتى الآن.
صدرت أولا بشارع الفجالة بالقاهرة ، وقد تعددت اصداراتها: المصور، الاثنين، الكواكب، ثم عملت على نشر كتاب شهري ، بلغت اعداده زهاء الستمائة ، ونشرت لقمم أدبية مثل العقاد، وطه حسين ، والمازني ، والرافعي ، وأحمد أمين .. الخ.
قلت : مجلة الثقافة السودانية صدر عددها رقم 48 بعد سنة من سابقه !! عجبي .
2- الخبر: أسرف رجل على نفسه ، فلما حضره الموت، أوصى بنيه فقال:
إذا أنا مُتّ فأحرقوني ثم اسحقوني ثم أذروني في الريح في البحر.
فوالله لئن قدر عليّ ربيّ ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا.
3- كيسان مستملي أبي عبيدة وقد سأله عن رجل من شعراء العرب ما اسمه ، فقال هو خداش أو خراشأو رياش أو خماش أو شيء آخر وأظنه قرشيا فقال له أبوعبيدة من أين علمت أن نسبة في قريش ، قال أرأيت اكتناف الشينات عليه من كل جانب .
قلت: كتبت في ثمانيات القرن الماضي شجون السين والشين وهي اجتهاد طيب ، ونشرتها لاحقا في مجلة المجمع اللغوي بعد رحيل العلامة الضخم عبدالله الطيب .
4- سال ابوعون رجلا عن مسألة فقال على الخبير بها سقطت ، سألت عنها ابي فقال: سألت عنها جدك فقال : لا أدري.