في نقاشاتي العديدة مع بعض الناشطين سياسيا ظللت أقول لهم ان أسوأ ما ظللت أسمعه خلال العامين الماضيين عقب نجاح ثورة ديسمبر هو محاولة شيطنة الجيش السوداني من اجل اضعافه معنويا والتمهيد لتحطيمه خدمة لأجندة حزبية شيطانية وأجندة خارجية معروفة للذين يفهمون حقائق التنافس الدولي والاقليمي كل هدفهم تشظي وتحطيم هذا الوطن الذي ظل الجيش السوداني فيه بمثابة العمود الفقري الذي اذا انكسر أو أضعف فلن يندهش أحد اذا انتهى وطن اسمه السودان وتفرق أهله في العالم كما حدث لغيره..
لهذا أتمنى أن يفرق الحادبون على سلامة ووحدة هذا الوطن وحريته بين الجيش والقوات النظامية الأخرى كمؤسسات قومية يتوجب احترامها ودعمها وبين تصرفات واخطاء شخصية لمن يستغل ويحكم باسم الجيش. يجب ألا يغيب عن أذهاننا تجاوب وانحياز الجيش والقوات النظامية الأخرى لثورات الشعب فاقتلعوا الأنظمة الديكتاتورية عنوة أكدوا بذلك موقفهم البطولي والقومي ووقفوا الموقف الصحيح والنبيل ولهذا يجب أن يكونوا موضع احترام وتقدير ودعم لأقصى الحدود لا التشكيك والاتهامات غير الناضجة. فلا بد أن نرتفع لمستوى المسؤولية الوطنية والسياسية والأخلاقية لا أن نصاب بالعمى الاستراتيجي لخدمة أجندة خارجية ضارة تهدف ألا تجعل من وطننا دولة متماسكة وقوية، بل دولة مفككة الأوصال. وطن نظامه ديمقراطي تكون فيه السيادة والقرار للشعب..
لقد رصدت خلال الفترة الماضية عبارات غير لائقة في حق الجيش السوداني وبقية المؤسسات النظامية لا يجب أن تصدر من شخص أو مجموعة أو كيان سياسي يحب ويحترم وطنه ومؤسساته التي تؤمنه وتؤمن وحدته وتجعله يقف على رجليه شامخا عزيزا يواجه أعتى الرياح العسكرية والسياسية والاقتصادية لا يسود فيه الإحباط والتشاؤم وعدم الثقة بين مكوناته.
لعل ما قام به الجيش السوداني من بطولات وقدم الشهداء باسترداده الفشقة بعد أن استعاد الديمقراطية بانحيازه لثورة ديسمبر يجب أن يجد التقدير والاحترام فهذا الجيش ظل مشاركا في دعم خيار الاستقلال بقبوله المشاركة في الحرب العالمية الثانية في شمال أفريقيا ضد النازية بوعد من المستعمر منحه الاستقلال.. كل ذلك يؤكد المقولة الصحيحة التي يجب أن نرفعها شعارا ثابتا نحمله في حدقات العيون: (عندنا جيش) وجيش قوي متماسك ومحترم ولم لا، أليس هو الجيش التاسع والستون عالميا والعاشر افريقياً الذي ظل متماسكا ومقتنعا بشعار الثورة (حرية وسلام وعدالة) ومؤمنا ككل أبناء السودان بجمهورية مدنية دستورية ديمقراطية والتزام باجراء الانتخابات ليقول الشعب كلمته ويختار من يحكمه كما التزم بالحفاظ على عبور الفترة الانتقالية بسلاسة مثلما التزم ونفذ المجلس العسكري عقب انحيازه لانتفاضة أبريل 1985بقيادة المشير سوار الذهب وقبله الرئيس عبود حين رأى المظاهرات تطالب بسقوط النظام وهو يطل عليها من شرفة القصر الجمهوري قال بالحرف الواحد: (طالما الشعب يريد الديمقراطية فلماذا لا نعطيها له)؟ فدخل القصر على الفور وقال بحزم: (لقد قررت حل المجلسين وتسليم السلطة للشعب). اذا فعل المكون العسكري الحالي مثلهما فان التاريخ سيكتبهم بأحرف من نور وسيظلون موضع احترام وتقدير مثل من سبقهم و(العكس صحيح).. والشيء بالشيء يذكر اذا التزمت القوى السياسية اليوم بمصالح الوطن لا مصالحها الضيقة الحزبية والشخصية وتركت هذه الصراعات الممجوجة والتمست منهج الحوار الايجابي والتسامح والشراكة الذكية مع العسكر لتعبر نحو مستقبل أفضل فسيحترمها الشعب، وأيضا (العكس صحيح)..
لهذا دعونا نضع شعار ثوراتنا العظيمة (جيش واحد.. شعب واحد) في حدقات العيون.. فهذا أكفل للأمن والاستقرار والسلام والحرية والحكم المدني الديمقراطي الرشيد ودولة المؤسسات وسيادة حكم القانون لا أنظمة البلطجة والأوانطة السياسية من أي جهة جاءت.
صحيفة السوداني