لن يكون هناك انتقال حقيقي في السودان بدون حوار وتسوية شاملة. الاستيلاء على السلطة بشكل كامل عبر ثورة جذرية تقوم بها نفس قوى ثورة ديسمبر لن تقود إلى انتقال، وستكون كارثة. لقد رأينا هذه القوى حينما حصلت على “نصف سلطة” ولم تكن تجربة ديمقراطية بأي حال من الأحول، ولو كانت تلك القوى حصلت على سلطة كاملة لكان الوضع أسوأ بأضعاف مضاعفة. تخيل قوى الحرية والتغيير وقد حصلت على سلطة كاملة مطلقة بأجهزتها الأمنية والعسكرية وسيطرة كاملة على مؤسسات الدولة! .
الكتلة التي تُسمى بالديسمبريين هي المولود غير الشرعي لقوى الحرية والتغيير، وتحمل نفس الوعي السلطوي الإقصائي الذي لا يعترف ولا يقبل بالديمقراطية والتعدد، فهي امتداد طبيعي للوعي الذي خلقه خطاب أحزاب الحرية والتغيير وناشطيها عبر وسائط التواصل، هي لم تهبط من السماء ولكنها تشكلت في الواقع، وداخل أفق ثورة ديسمبر. هذه الكتلة لا يُمكن فصلها عن الحرية والتغيير وعن القوى اليسارية العلمانية، “قوى السودان الجديد” والتي تتعامل مع الواقع من منطلقات ثورية جذرية ترفض التعاطي مع كل ما هو “سودان قديم” من وجهة نظرها، أي مع كل ما هو خارج هذه الكتلة.
هذه الكتلة هي بطبيعتها ثورية، وترفض الحوار والتسويات، بل ترفض الاعتراف بالآخر ابتداءً. ولذلك فإن حصولها على سلطة كاملة لن يقودنا إلا إلى نسخة جديدة من قحت بسلطة كاملة.
الأفضل للسودان، أن يحدث الانتقال من خلال تسوية شاملة، بحيث لا يكون هناك طرف منتصر يملك سلطة مطلقة وسيطرة كاملة على الدولة ومؤسساتها. والوضع الآن مهيأ لهذه التسوية.
حليم عباس