الطاهر ساتي يكتب.. الدرس الأكبر..!!

إليكم…. الطاهر ساتي

:: في مثل هذا اليوم قبل خمس سنوات، أي في العام 2016، عندما نجح عصيان بالخرطوم، أعلنته مجموعات شبابية رفضاً لحكومة البشير، كتبت الزاوية التالية تحت عنوان (رسائل التمرين)، ولما فيها من دروس، استميحكم عذراً في إعادة نشرها..
:: (عصيانٌ كان أو اعتصاماً، فإن هذا ليس مهماً.. فالمهم أن الحدث كان تمريناً ناجحاً لمباراة قادمة في المستقبل القريب (جداً)، وأي تحليل للحدث غير هذا يُعدُّ جهلاً بالوقائع أو دفناً للحقائق في رمال الزيف أو المُكابرة.. يوم الأحد كان كما الجمعة والسبت في كل شوارع الخرطوم وأسواقها، وهذا ما لم يحدث إلا في أيام الأعياد، ثم المناسبات التي يُعلن عنها مجلس الوزراء فقط.. وأن تخلو شوارع الخرطوم وأسواقها من زحام المارة والسيارة في بداية أسبوع العمل، وبعد عطلتي الجمعة والسبت، وبغير بيان مجلس الوزراء، فإن هذا يعني النجاح بدرجة الامتياز..!!
:: ومن النجاح أيضاً، مساء السبت، كنا ثلاثة أصدقاء بأحد شوارع بحري عندما قصدنا بعض الشباب ثم مد أحدهم بحزمة أوراق.. فذهب بنا الظن بأنهم شباب إحدى المنظمات أو الجمعيات الخيرية، ولكن تفجأنا بأن الأوراق دعوة للعصيان المدني.. ومازحناهم: (عديل كده يا شباب؟، يمكن نحن ناس أمن)، فقال أحدهم بثقة: (ما فارقة معانا، اعتصموا وكلموا ناسكم برضو).. بعد أن غادروا اتفقنا بأن مثل هذه الأحداث تكسر (حاجز الخوف).. وصدقاً، فإن جيلاً عارفاً بالحقوق قد بدأ يفرض ذاته على الجميع بشجاعة، وهم بأعمار الذين وزعوا تلك الدعوة، وأهم ما يميز هذا الجيل (ما فارقة معاهم)..!!
:: ثم إعلامياً، نجح الحدث في السيطرة على أقوى وسائل الإعلام.. وهي ليست وكالات الأنباء والفضائيات والإذاعات والصحف والمواقع الإلكترونية وغيرها، بل هي وسيلة (الإعلام الشعبي)، بحيث لم – ولن – تكون لهذه الوسيلة حدثاً غير هذا الحدث.. إذ كان في مجتمع الخرطوم من لم يستجب لدعوة الاعتصام، ولكن تأثر بصدى الدعوة، ثم استجاب مكرهاً بمنع الأبناء عن الذهاب إلى المدرسة خوفاً عليهم.. وهناك من لم يقتنع بالدعوة، ولكن تأثر بصدى الدعوة وآثر البقاء في داره خوفاً على سيارته.. وهكذا.. بالاستجابة والمخاوف نجح الحدث في السيطرة على عقل الشعب لحد الرسوخ..!!
:: ثم تفاجأت الحكومة بحجم (حزبها)، وكذلك بكذب تقارير الإحصائيات والاستفتاءات التي ظلت تُجمِّل كل باطل وتضخم الأقزام وتحجب الحقائق.. فالشوارع والأسواق التي بدت كالمهجورة في بداية أيام العمل كشفت بأن شعبية الحكومة ليست هي الشعبية المرفوعة (إعلاماً)، ولا عضوية حزبها الحاكم هي العضوية المضخمة (شعاراً)، وكذلك أكد تأثير الحدث بأن الشوارع لا تهلل وتكبر وتصفق كما البرلمان، أو كما كان يزعم الإعلام الرسمي.. وبالمناسبة، طوال الأيام الفائتة، لم تخرج تلك الوجوه المألوفة والألسنة الشهيرة إلى وسائل الإعلام لنفي الحدث وتأثيره على الشارع العام.. لقد سكتوا، ولم يسكتهم غير التأثير غير القابل للنفي..!!
:: والدرس الأكبر هو أن الجيل الصانع لهذا الحدث لم يعد ينتظر حزباً أو حركة أو صحافة ليكون (تابعاً وإمعة)، كما الأجيال السابقة، بل هو متمرد على طريقته الخاصة والفريدة.. وهذا التمرد المتفرد هو ما يطمئن مستقبل البلاد بأن التغيير – بالحرب أو بالسلم – ليس محض تغيير شخوص بشخوص ولا تغيير أحزاب بأحزاب، بل هو تغيير مفاهيم بالية ومعانٍ كاذبة بأخرى حديثة وصادقة، ومنها تغيير معنى (القيادة الجماعية)، بحيث لم يعد شعاراً يستخدمه حكم الفرد وسلطة حزب.. وكثيرة هي رسائل التمرين.. ليبقى السؤال المهم، هل وصلت لمن يهمهم الأمر بحيث يكون الرد إيجابياً وعاجلاً لما فيهما خير الناس والبلد، أم لن تصل إلا ضحى المباراة)..!!

صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version