ونظل نقرأ في كل شيء… فالبنسلين كان يستخرج من الأشياء المتعفنة
وتحت شجرة القهوة ننتظر القهوة ونبحث عن الضربة القادمة للسودان من أين تأتي
ومشهد مجموعة من الشباب هناك مشهد يأتي بالإجابة
والإجابة هي أن الخراب القادم هو ما كان يصنع قحت
وهو ذاته ما يصنع الخراب القادم وكل خراب
وذاكرتنا فيها مشهد لحكاية حقيقية والسينما تنتجها فيلماً ناجحاً جداً
والفيلم يحكي كيف أن العطالة…. وبالتالي الفقر…. وبالتالي الجريمة والمخدرات والدعارة…. وشراء القانون…. وقانون العصابات ما يصنع هذا كله هو ذاته ما يجري الآن في السودان…
وما يجري تطويره
………
وعام ١٩٣٦ قبل الحرب العالمية كان الفقر يضرب العالم كله
والعطالى ملايين في أمريكا وحدها
وشركة تعلن عن مسابقة…. للرقص والفائز هناك هو الثنائي الذي يظل واقفاً على أقدامه بعد أن يسقط الآخرون
وفي الحكاية الحقيقية مئات الآلاف يركضون للاشتراك للحصول على المال ( الجائزة)
ويشرعون في الرقص…. وساعات والبعض يسقط من الإرهاق…. وساعات وسقوط آخرين…
وبطلة الفيلم هي جين فوندا
والثنائي الذي تدور حوله القصة (جين فوندا وزميلها) يظلان واقفين على الأقدام المرتجفة من التعب والجوع والسهر فالرقص يمضي نهاراً وليلاً…
وزميل الممثلة يسقط
والمرأة تطلق عليه الرصاص وتقتله وتقول للشرطة
:- الناس يقتلون الخيول التي تسقط في السباق…. أليس كذلك؟
والحكاية تقول إن البلد الذي يطحن بالعطالة ينتهي البحث فيه…. بحث العطالى عن المال بإطلاق الرصاص
* فالقاعدة هي أن
العطالة تصنع البحث عن المال بأي وسيلة
وأي وسيلة تعني الجريمة المغطاة
بعدها الجريمة الفردية التي هي شيء مثل الخطف
بعدها الجريمة الفردية تصبح جريمة منظمة
بعدها يصبح السلاح هو الذي يقود
والبحث هذا… البحث الذي يصنع الجريمة كان هو الذي صنع قحت
ثم صنع ما بعد قحت وهو ما يجري الآن
.. والبلد الذي لا يفهم أن البطن والفرج أشياء مطالبها لا تفهم العذر هو بلد سوف يجد أن الجريمة هي التي تحكم
………
العجوز الذي كان يجلس ناحية مع كوب القهوة يقول
:: أستاذ… لولا معرفتنا بك لقلنا إنك لا تعرف معنى كلمة (متطرف)
ورداً على نظراتنا التي تنتظر التفسير يقول
::- قبل فترة ندعوك لإمامة مسجدنا وتقول إنك (متطرف) وإن الناس لن يحتملوا حديثك
قبل أن نجيبه نجد أن مجموعة الشباب تضع مقاعدها حول مقعدي ونعلم أن حواراً سوف يبدأ
قال :: الناس يقولون أحياناً سخريات لذيذة…. أحدهم هنا يقول المرأة العلمانية لن تتوقف عن المطالبة بالمساواة مع الرجل إلا بعد أن ترى الرجل يلد أمامها
وهذا كأنه يفتح نوعاً من الحديث ليقول آخر وهو يقرأ من موبايله
::- شقيقة زوجة توني بلير التي أسلمت تقول
::- الحمد لله… الإسلام شفاني من الإدمان والخراب…. وأشعر بما يشعر به من كان يعاني من الاختناق ويشهق للهواء ثم تنفس
وكعادة السوداني الذي هو حيوان سياسي يقول آخر
::- المحطات يا أستاذ…. أمس ..صحيفة اليوم تقول…. عشرات القتلى في مظاهرة الخميس والشارع السوداني يرفض حمدوك…. بينما صحيفة تحترم قراءها مثل الإيكونومست تقول
:: الجيش أصبح أقوى وحمدوك يعزف مع البرهان والاتحاد الأفريقي يتجه إلى رفع السودان من قائمة الحظر
ومشهد عجوز تمشي بصعوبة يجعل آخر يقول
::- بالمناسبة يا أستاذ حديث عمنا معك قبل قليل عن الإسلام وتطرفك يذكرني أن إمام مسجدنا لما كان يفسر الآية (ثم رددناه أسفل سافلين) لم يقل قال سفيان الثوري ولا الزمخشري… إمامنا قال إن العجوز في الملجأ قالت عن ابنها
::- لو كنت أعلم أنه سوف يضعني في الملجأ لكنت قد أرضعته حليب الكلاب حتى يرضع الوفاء فالكلاب لا تخون العشرة
وآخر يعود إلى الأخبار المباشرة ويقول
: قالوا إن عدداً من لجان التمكين لن يطلق سراحهم لأن التحقيق يجد أنهم قد نزعوا من الناس (خمسة وأربعين تريليون جنيه… وخمسة مليارات دولار
وأن التمكين سلمت المالية… سبعة وسبعين مليون جنيه…
والتعليق كان ذكياً وهو يقول
الكارثة التي تصيبهم ليست هي أنهم سوف يحاكمون…. والكارثة هي أن أحداً يضع يده على مبالغ مثل هذه ثم تنزع منه ضربة واحدة…
وحديث التحقيقات يقود إلى أن أجهزة التحقيق في قتلى المظاهرات تجد أن بعض القتلى قتلوا ببنادق خرطوش ومن مكان قريب
وسيرة القانون والتحقيق تقود إلى رئيس القضاء الجديد فتح الرحمن والحديث يقول إن ما يجعله مناسباً للظرف هو أنه
خبير وناشف ولا ينتمي إلى جهة وأنه…. لا يعرف الخوف
قال: لكنه أدى القسم من قبل أمام البشير
ونقول: وكنت عايزو يؤدي القسم يومها قدام منو ؟؟
السودان الآن بلد فيه ملايين المقاعد للنقاش السياسي وهذا يجعل القيادة من الأذن مستحيلة
لكن…. الذي سوف يقود السودان إلى الخراب غداً هو ذاته ما قاد السودان إلى الخراب السنوات العشر الماضية
العطالة….
إسحق فضل الله
الانتباهة