د. بشير إدريس محمدزين
• إنَّ أفجع وأوجع ما خرج به أبناؤنا وبناتنا الثوار من دروسٍ مريرة، أثناء ثورة ديسمبر الشبابية غير المكتملة، وبعدها، أنه لا أحد هنا، في بلادِنا هذه، محترمٌ، أو جديرٌ بالثقة والإحترام !!
• فهم كانوا قد وثقوا بتجمع المهنيين سابقاً، وأسلموه قيادَهم، ونفذوا توجيهاته وهو يقودهم في ثورتهم على الإنقاذ، وجعلوا من قياداته أيقونات ثورة، وحملوهم على أعناقهم، وتغنوا بهم، فماذا فعل تجمع المهنيين بعد الإنتصار المحدود الذي حققته الثورة ؟! أغرت قياداته المناصب والعطايا والأطماع العاجلة، وتفرقوا أيديَ سبأ، وتركوا الشباب يهيمون على وجوههم كالأيتام على موائد اللئام !!
• هم كانوا قد وثقوا بالأحزاب السياسية الحديثة والعتيقة المتهالكة، وتأمَّلوا فيها أنها ستعي الدرس الممجوج المتكرر، وهو تكالبهم وتآمرهم لأجل السلطة، وظنوا أنها ستقودهم والبلاد بحكمةٍ مرجوة إلى براح الديموقراطية، فماذا صنعت الأحزاب بهم؟! خانتهم نهاراً جهاراً، ونافقتهم، وكذَب عليهم قادتُها بلا حياء، وسقطوا في إختبار المصداقية، فباءت الأحزاب بخزي شبابها المحزَّبين أولاً، ثم بعار جماهير الشباب الثائر عامةً، وأصبحت غير جديرة بعد الآن، بنيل ثقة سمسار كذاب في سوق النخاسة السياسية !!
• هم كانوا قد وثقوا في الحرية والتغيير، وحملوا قادتها على أعناقهم، وجعلوا منهم أملاً مرجواً لإنقاذ البلاد إلى بر الأمان، فماذا صنعت الحرية والتغيير بهم ؟! تنازلت عن دمائهم، وشرفهم المهان، وتكالبت على حطام المناصب، وأرتهنت إرادتها لمحاور الشر، ورضيَت بالخسة والهوان، ولعق تُفاف العسكر ‹وأبواتهم› جمع بوت !!
• هم كانوا قد تقبَّلوا ما يُسمى بحركات الكفاح المسلح(جبريل ومناوي وبقية الأرادلة) ولم يثقوا بهم قط، لعلمهم بإنتهازيتهم وأرزقيتهم، ولكن من أجل السلام تواضعوا لهم، وتقبلوهم من أجل الوطن، فماذا فعلت هذه الحركات بعدما قسموا لها السلطة والثورة وبوَّأوها مكاناً علياً ؟! تآمرت الحركات مع البرهان، ومع فلول الموز والمحاشي، ومع مرتزقة الإدارات الأهلية، وبقايا الشراتي والنُّظَّار، والتوم هجو، ليسقطوا حكومة الثورة !!
• هم كانوا قد (وثقوا) إبتداءً في جيشهم، واحتموا بقيادته معتصمين بالله، ثم بثقتهم فيه، فماذا صنع بهم جيشُهم؟! أسلمهم للرباطة والجنجويد وكتائب الظل، وأغلق دونهم بوابات قيادته العامة، وجلس يتفرج على الجنجويد وكتائب الظل وهم ينكِّلون بهم، ويحرقونهم، ويغتصبونهم، ويسحلونهم، ثم يقتلونهم، ثم يلقون بهم في بطن النيل !!
• هم لم يثقوا قط في حميدتي، ولا في الدعم السريع، ولكنهم تقبلوا حميدتي إلى حدٍّ ما لكونه قد (أشفق) عليهم في مرحلةٍ ما، من سحل البشير، حين أراد الآخير قتلَ ثلثهم بفتوى شيوخ السلاطين، فقالوا ربما أن فيه شئ من إنسانية تتحرك أحياناً، ولكن سرعان ما وضع حميدتي ودعمه السريع أيديهم مع القهر والقتل والبرهان، وأخلدوا إلى حيث كانوا في ظنِّ الناسِ ويقينهم !!
• هم كانوا قد وثقوا في حمدوك، ولعل بعضهم ما يزالون، ولكنهم لم يثقوا قط في البرهان، ولا في العطا، ولا في الكباشي، بل وفي وقتٍ مبكرٍ جداً كانوا قد لقَّبوا الكباشي (بالكضباشي)، ولكنهم -مع هذا- رضوا غاضبين بشراكة الإكراه والإضطرار معهم، وكما أوعزت لهم، وقادتهم الحريةُ والتغيير، فماذا فعل البرهان بهم؟! قتلهم للمرة الثانية، ولم يطرف له جفن.. إذ لم يكن البرهان أبداً يُداري، ولا يُخاتل، ولا يتربَّص، بل كان يُعرب عن نية الإنقضاض عليهم نهاراً جهاراً، ومراراً وتكراراً، وقد (صدق) في هذه فعلاً، وهو كذوب، فقتل الشباب في نوڤمبر بعدما انقلب على حكومتهم في أكتوبر، ونكَّل بهم وعذَّبهم، ووضعهم في السجون، وهاهي الأحزاب، والحرية والتغيير، متخفيةً، يتشاركون معه مجدداً، ويمنحونه فرصةً ثالثة، لينفِّذ على الشباب القتلةَ الثالثة، بعد حين !!
• إن أكبر خطيئةٍ يرتكبها شعبٌ في حق نفسه ووطنه أن يثور ربعَ ثورة، أو خُمسَ ثورة، أو نصفَ ثورة، أو حتى ثلاثة أرباع ثورة !! فهذه الثورة الناقصة تشبه بالضبط أن تضرب كلباً عقوراً ضارياً (بفردة جزمة) وتعتقد أنك قد دافعته عن نفسك، وستكون النتيجة أن ينقضَّ عليك هذا الكلب بضراوته كلها، وبلا رحمة، لأنك قد إستفززته أولاً، ثم أنك أستفززته (بفردة جزمة) !!
• إن على الشباب الثائر ألا يثقوا في أحدٍ بعد الآن غيرَ الله وفي أنفسهم وفي النصر..
سيدفعون ثمناً غالياً ليكملوا ثورتهم مع الكلاب العقورة الضارية، ولكنهم سينتصرون عليها في النهاية لأنهم شباب وأصحاب حق، ولأن تلك كلاب وعقورة لا غير !!
صحيفة التحرير