ملاحظة مهمة لابد من التفكير فيها؛ وتتمثل في طبيعة العلاقة المعقدة غير الواضحة بين (قحت أ) وبين الكتلة الشبابية التي تخرج للشارع. إنها علاقة معقدة وغير مفهومة حتى للقحاتة أنفسهم، وهذه العلاقة ليست مجرد (القيادة) بالمعنى التقليدي ولا (التحالف) ولا (التنسيق ) ولا حتى (علاقة أمنية) تتم بزرع جواسيس داخل الشارع.
لا لا هذه العلاقة في مستواها الجوهري أعقد من كل المستويات السابقة وعصية على الوصف، ولوصفها نحتاج لمفردات خارج المعجم التقليدي للسياسة؛ وهذا تأكيد لما نقوله عن أن هذه الكتل الشبابية سواء خرجت بأعداد كبيرة أو صغيرة تمثل (ظاهرة اجتماعية) بأكثر من كونها (ظاهرة سياسية).
طبيعة العلاقة بين قحت أ والشارع هي طبيعة حاضنة طبقية لمشروع قحت أ، ولكن البعد الطبقي لوحده لا يكشف كامل الحقيقة، والسبب وجود تناقض يتمثل في أن الشارع يحمل مصالح الطبقة الصفوية البرجوازية عبر كتل ضخمة من أبناء الطبقة الوسطى من عامة الناس! كيف نكتشف الحقيقة كلها إذن؟
عبر الإنتباه للجانب الثقافي، الجانب الذي يجعل أحد العمال في كافتريا راقية جدا في قلب الخرطوم تعرفونها جيدا يموت شهيدا للوطن، بينما جزء كبير من رواد الكافتيريا هم قادة الطبقة السياسية، أبناؤهم في الخارج ومصالحهم في الخارج، هنا بالضبط نحن نتحدث عن التأثير الثقافي لتكنلوجيا الإتصال الحديثة، نتحدث عن الميديا وعن رسالتها وتأثيرها.
طبيعة العلاقة بين قحت والكتل الشبابية هي التفاهم العميق حول رسالة الميديا، وقحت ليست منسجمة بالطبع لكنها هي وجمهورها عبارة عن كتلة ليبرالية تملأ المدن وأحيائها. هذه الكتلة الليبرالية هي كتلة صنعتها الميديا، بالتالي فثمة تقسيم للعمل والأدوار يحدث بشكل تلقائي داخل هذه الكتلة. هذا التقسيم يكون فيه البعض قادة للشارع، آخرون قادة في الميديا، آخرون سياسيون محترفون للدولة، البعض فنيون وخبرات للتبرير…..الخ. والمؤسف هناك فئات للموت والشهادة والمصادمة.
تقسيم الأدوار هذا (تقسيم تلقائي) ريما حتى قحت لا تعلمه، وخصومها يفسروه بشكل أمني؛ وهنا فالفاعل الوحيد، الصانع الأساسي للحدث هو الميديا والشرط الليبرالي المعاصر. هو الذي يحرك الحزب الشيوعي، والأحزاب الأربعة، واللجان، والمستقلين…..الخ.
هذا جزء بسيط من مشهد الوصف الضروري لما يحدث، ولتأثير الميديا على الجمهور الجديد. حالة جديدة في السياسة تحتاج لتفهم وتفاعل ومواجهة، والسبب البسيط لمواجهتها هو أن جوهرها غير وطني، غير مسؤول، وغير بناء.
هشام الشواني