محمد عثمان الرضي يكتب : اتفاق الأبطال

أثبت الشعب السوداني بأنه مدرسة متقدمة في القيادة السياسية الرشيدة, وضرب أروع الأمثلة في التفاني والتجرُّد ونكران الذات في تقديم الجديد والمُفيد في المشهد السياسي.
ظلّت القوات المسلحة السودانية الفصيل المتقدم في قيادة البلاد في أحلك الظروف, وذلك وفقاً للمهام الموكلة إليها تحمي الثغور وتُؤمِّن التحوُّل الديمقراطي, ولم تكن القوات المسلحة تهدف إلى حكم البلاد طالبةً بذلك السلطة، بل كان همّها الأول والأخير حماية البلاد من المخاطر المُحدقة بالبلاد.
أثبت رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك بانه شخصية وطنية كاملة الدسم وتسعى لخدمة البلاد بكل مسؤولية وتجرد, ولم يكن بذلك يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية ضيِّقة.
حقن الدماء وحفظ الأرواح والمُمتلكات كان الهَمّ الشاغل لطرفي الاتفاق الذي ضم رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

التحاكم إلى الوثيقة الدستورية من أهم بنود الاتفاق الموقع ما بين الطرفين وبذلك تم حسم المرجعية القانونية والسياسية إلى تنظيم حكم البلاد وتحديد شكل العلاقة الثنائية.
حالة من الارتياح الكبير اجتاحت الشارع السوداني لحظة توقيع الاتفاق السياسي ما بين الطرفين, وذلك من خلال الاستطلاعات التي قامت بها العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية.
تقديم التنازلات من أجل الوطن من أغلى وأثمن القيم الفاضلة التي ظل يتمتّع بها الشعب السوداني ومهما كانت درجة الاختلاف كبيرة, إلا أن العزيمة والإصرار على تجاوزها كان أكبر.
لم يتجاهل الاتفاق ملف الشهداء فكان حاضراً بقوة مما يؤكد ذلك على اهتمام الطرفين به, لأنّه من أهم الملفات التي أسهم وبقدرٍ كبيرٍ جداً في نجاح ثورة ديسمبر.
توسيع قاعدة المُشاركة من البنود الذي حواه الاتفاق السياسي ما بين الطرفين, والذي من شأنه أن يحدث اختراقا كبيرا جداً ويُساهم وبصورة قوية في إزالة حالة الاحتقان السياسي.
الأحزاب السياسية السودانية عليها عبءٌ كبير جداً في تسويق الاتفاق السياسي المُوقّع بين الطرفين وشرح بنوده للقواعد الجماهيرية العريضة حتى يتسنّى للجميع الاطلاع عليه وإبداء المُلاحظات حوله.
التّسامِي فوق المرارات الشخصية والحزبية من المُفترض أن يكون شعار المرحلة القادمة, وذلك لضمان نجاح الفترة الانتقالية والعبور الآمن إلى مرحلة الانتخابات القادمة.
ما يُميِّز الاتفاق السياسي المُوقّع بين الطرفين أنه جاء بأيادٍ سُودانية خالصة, وبذك أثبت الشعب السوداني مقدرته على تجاوُز أزماته المُتلاحقة التي ظلّت تُؤرِّق مضاجعه خلال الأيام الماضية.
الدول الشقيقة والصديقة لعبت أدواراً مفصلية في تقريب وجهات النظر بين الطرفين وذلك من خلال تقديم مُبادرات عقلانية ومُتوازنة وجدت القبول من الطرفين.
هذه الخطوة التاريخية والبطولية من الطرفين ستُكتب بماء الذهب, وستكون بمثابة درس وطني تستفيد منه الأجيال القادمة بأنّنا مهما اختلفنا قادرون على العودة من أجل الوطن.
الأجيال القادمة قادرةٌ على تحديد خياراتها في إدارة المشهد السياسي السوداني, وأخص بذلك جيل الشباب صانع الثورة.

صحيفة الصيحة

Exit mobile version