تتسارع الأحداث يوماً بعد يوم قبل وبعد الخامس والعشرين من أكتوبر, في ظل المشهد السياسي الذي يشهد حالة من الارتباك والتوتُّر والخلافات والانقسامات, تسارعت المُبادرات التي كانت تسعى لاحتواء الموقف وإرجاع رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك إلى منصبه, وأبزر تلك المبادرات كان يقودها اللواء فضل الله برمة ناصر رئيس حزب الأمة المكلف والتي تكللت بالنجاح بعقد اتفاق البرهان وحمدوك قبل يومين, الاتفاق الذي عاد بموجبه عبد الله حمدوك إلى منصبه رئيساً للوزراء.. غير أن مبادرة رئيس حزب الامة المكلف والتي تكلّلت باتفاق بين البرهان وحمدوك لم تجد القبول من مؤسسة الحزب, وأدّت إلى خلافاتٍ طاحنةٍ في وجهات النظر داخل منظومة الحزب نفسه.
ونجد ان الخلافات داخل حزب الأمة قديمة متجددة ولم تكن وليدة اليوم وان كان ظهورها هذه المرة مختلفاً بعض الشئ, لأنها ارتبطت بموقف لرئيس الحزب يُفترض أن يجد القبول من أعضائه.
حيث رفضت د. مريم الصادق المهدي نائب رئيس الحزب ما تم بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وعبد الله حمدوك من اتفاق وسارعت بتقديم استقالتها من منصب وزيرة الخارجية.
انقسامات واختلاف آراء
المهتمون بالشأن السياسي يرون بأن الأوضاع داخل حزب الأمة باتت فاقدة لمنظومة مركزية موحدة بعد رحيل زعيمه الملهم الإمام الصادق المهدي, ولقد ظهر ذلك بوضوح من خلال اجتماع لشباب وكوادر من حزب الأمة بدار الحزب رفضوا خلاله تماماً حكم العسكر, وخلص اجتماعهم بأن ما حدث من اتفاق سياسي لا يعني حزب الأمة إطلاقاً, بجانب ذلك أن القيادات التي شاركت لا بد أن تُخضع لمُحاسبة, ورئيس الحزب المُكلف يُقال او يستقيل, بجانب الأمين العام للحزب, ووصفت بأن ما تم من اتفاق بين البرهان وحمدوك (انقلاب).
وقال شباب حزب الامة إنه لا كبير على القانون, الكل يحاسب بلوائح ودستور حزب الأمة القومي, أي شخص خالفها يُحاسب, فيما أصدرت الأمانة العامة للحزب قراراً بمحاسبة المشتركين في الاتفاق.
مناوي على الخط
هذا ولقد خرج مني أركو مناوي بتصريحات لقناة الحدث, أكد فيها ان فصائل الحزب الاتحادي برئاسة يوسف محمد زين هم من صُنّاع الاتفاق, وهنالك آخرون كثر من الحرية والتغيير, بجانب تأكيده بأن حزب الأمة وهو من قام معهم بإخراج الاتفاق بحضور الأمين العام الواثق البرير والرئيس المكلف برمة ناصر, ولفت بأن معظم مقترحات الاتفاق السياسي جاءت من برمة وحيدر الصافي, واضاف بان حديث حزب الامة عن رفض الاتفاق السياسي مجرد مزايدة لأنهم هم من صنعوه, مؤكداً حضورهم قبل نصف ساعة من تاريخ التوقيع قبل انسحابهم وخروجهم, وأكد أن ما ورد في بيان المجلس المركزي للحرية والتغيير مُزايدة سياسية.
المضي إلى زوال
فيما ذهب المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية د. الهادي عثمان في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن الخلاف داخل حزب الأمة سيكون بين القيادات والكوادر الشبابية, لجهه أنّ رئيس الحزب المكلف والأمين العام جُزءٌ من ترتييبات الإعلان السياسي رغم وجود خلافات من بعض القيادات المؤثرة وعلى رأسها نائب رئيس الحزب مريم الصادق.
ولكن التوقعات تشير إلى أنّ هذه الخلافات تمضي إلى زوال, وأن ينخرط حزب الأمة بكلياته لدعم حكومة حمدوك الجديدة, وأن تنحصر المعارضة بين الكوادر الشبابية, وما يشجع استمرار القيادات في الخارطة الجديدة ظهور المنافس التاريخي لحزب الأمة مبارك الفاضل المهدي ضمن الوجوه الداعمة للتّحوُّل الجديد.
مَائدة مُستديرة
اختلفت الرؤية التحليلية للباحث الأكاديمي وأستاذ الدراسات الاستراتيجية آدم حامد, الذي قال ان المشهد الآن يحتمل إجراء حوار شامل بين كل القوى المدنية ولو بعد حين والاتجاه الى مائدة مستديرة بعد ذلك لبحث كل القضايا في مكان واحد, ولفت في حديثه لـ(الصيحة) بأنّ هنالك قضايا كثيرة تحتاج إلى اهتمام ومُعالجة, منها قضايا السلام والدستور الدائم والتنمية المُتوازنة والعلاقات الخارجية وهيكلة وإصلاح كل مؤسسات الدولة والأمن القومي والتعليم والإصلاح الاقتصادي, فكل هذه القضايا يجب أن نوجد حولها موقفاً مشتركاً, وأشار الى أن لا بد من الدفع بمُبادرة استراتيجية بعيداً عن الجودية والطبطبة, بجانب رفض الإقصاء, منوهاً بأنّ الانسداد الحالي سيتضاعف في ظل تخوف الكل مخاوف لدى العسكر ومخاوف وعدم مسؤولية لدى القوى السياسية, فلا بُدّ من خارطة طريق واضحة تفضي الى مائدة مستديرة جامعة, وأشار الى ان ما يحدث داخل حزب الأمة ليس بالموقف الجديد, بل مواقف متباينة وذلك يختلف مع القضايا التي تُطرح في إطار مؤسسات الحزب ويعتمد حلها على التوافق بالإجماع أو التصويت, واضاف: الآن مؤسسات الحزب مُتطوِّرة والفترة القادمة ستشهد ظهور جيل من قيادات جديدة من الشباب، ولهذا فالمطلوب أن يكون هنالك تغييرٌ في البرامج والقيادات، واضاف قائلاً: الإصلاح داخل الحزب سيتخذ مساراً متسارعاً على الأرجح, ولا بد من معالجة الأخطاء الآنية وليس الإقصاء, فالحل يبقى بأن تعالج جذور الأزمة, فالإرث الذي تركه الإمام الصادق المهدي قبل رحيله كان يتحدث عن المؤسسات والمؤسسية، واذا التزم الجميع بها فلن تكون هنالك مُشكلة.
ثلاثة مواقف بالحزب
قال القيادي بحزب الأمة عبد المطلب عطية لـ(الصيحة) إن الدور الذي قام به اللواء فضل الله برمة ناصر ينسجم تماماً مع عمره وخبرته, ولفت الى أن ما تم بشأن المبادرة التي قادها لم تُدار بشمول في مؤسسات الحزب ربما لطبيعية المبادرة, إنها لا تتحمّل ان تناقش في الهواء الطلق, ونوه عطية بأن الحزب من البداية ليس لديه أي مسطرة ثابتة للتعاطي مع تطورات الأزمة, لأن الحزب أخرج بيانا بأنه مع الشارع وفي نفس الوقت كان في اتصال مع العسكر, وأشار إلى أن الحزب الآن بداخله ثلاثة مواقف, الموقف الأول استعادة الوضع ما قبل (25) أكتوبر, وموقف آخر مع إقامة وضع جديد, والموقف الثالث يرى بأن لا ذهاب في شراكة مع العسكر, ونوه بأنّ الحزب شارك في الورقة الأخيرة للإعلان السياسي, ويبدو بأنّ مؤسسات الحزب ليس لها علمٌ, وأضاف بأنّ الوضع الحالي خلق انقساماً, فالوضع يحتاج الى حكمة, وأشار الى أن التسوية التي تمّت ليست بعيدة من موقف الحزب المطروح في العقد الاجتماعي, وأكد عبد المطلب أن حزب الأمة ليس مكانه الشارع فقط, بل دوره أيضاً البحث عن الحلول وهو ما ورثه عن الإمام الصادق المهدي حكمة تدارك المواقف.
الخرطوم: آثار كامل
صحيفة الصيحة