قامت في السودان ثورة فجّرها شباب وشابات أرادوا حياة كريمة ومستقبلا مشرقا, وهي ثورة تراكمية ختمت في ديسمبر 2018م بالانتصار, بعد أن انحاز الجيش والدعم السريع والقوات النظامية الاخرى للثوار, وتكون مجلس عسكري أدار البلاد لحين, ثم وقعت وثيقة مضروبة ومعيبة تشبه عقود البيوع ولا تشبه دساتير الدول بين المكون العسكري والحرية والتغيير في يناير 2019م, وبموجب هذه الوثيقة حلّ المجلس العسكري وكون مجلس سيادة خليط بين العسكريين والمدنيين الحزبيين, وكون مجلس وزراء برئاسة الدكتور حمدوك من حزبيين مخالف لنصوص الوثيقة الدستورية وجعل كل الدولة مُحاصصة بين الأحزاب, ثم حول المحاصصة والسيطرة على مفاصل الدولة من أربعة أحزاب, ثلاثة منها لم تحصل منذ الاستقلال في يناير 1956م على مقعد نيابي واحد بالانتخاب لا في برلمان قومي ولا إقليمي ولا ولائي.
وهذه الحكومة أبعدت كل الشباب الذين فجّروا الثورة, وحتى لم تسأل عن الشهداء ولَم تعالج الجرحى والمصابين, وأدارت ظهرها لهؤلاء الثوار وكنكشت في السلطة حتى أبعدت منها المُوقِّعين على الوثيقة واحتكرت أمر الحكم في السودان, وجمعت هذه الحكومة كل السلطات في يدها وأقامت لجنة تمكين بمزاجها, عاثت في البلاد الفساد وفصلت من الوظيفة العامة على اللون السياسي ووصلت حتى عامل اليومية, وكذلك القُضاة والمُستشارين في ديوان النائب العام وأقامت لها منبراً لشوبش تذيع فيه ما تُريد وتُصادر وتسجن وترفد بدون أمر قضائي, بل لم تفعل لجنة الاستئنافات, بل عطّلتها باستقالة منسوبيها ولَم تقم المحكمة الدستورية حتى تراجع أعمالها, وصادرت شركات وعيّنت عليها منسوبيها من الأحزاب الأربعة, ولَم تورد إيرادات الشركات المُصادرة لخزينة الدولة, بل جعلت هذه المبالغ غنائم وزّعتها على منسوبيها, بل ابتزت رجال الأعمال وأصحاب الشركات, ووضعتهم رهن الاعتقال دون أن تقدمهم للمحاكم!!
أما الحكومة التي قامت على المُحاصصة الحزبية لم تنجز موضوعاً واحداً من مطلوبات الانتقال, فلم تكوِّن مفوضية انتخابات ولا قانونا للانتخابات ولا الإحصاء السكاني, وتغيِّر في مدد الفترة الانتقالية كما تشاء, بل تكثر الحديث عن المدنية والتحوُّل الديمقراطي ولَم تعمل لذلك ولا أسست له, بل مارست ديكتاتورية مدنية أسوأ من أي حكم عسكري, وشغلت نفسها بالتمكين ونهب المال العام, وأهملت الوطن والمواطن, فهي لم يكن هَمّها استتباب الأمن ولا معاش الناس ولا الحكم الرشيد ولا أمر الولايات ولا قضايا السلام, وكانت حكومة عميلة لبعض دول الاستكبار بامتياز, بل غيّرت القوانين وشرعنت لصالح هذه الدول ووضعت السودان تحت الوصايا الدولة بخطاب خلسة للأمم المتحدة لتطلب بعثة أممية واستعمارا جديدا بطلب رسمي من رئيس الحكومة بقيادة (بريمير) فولكر الألماني الذي يُريد أن يكون الحاكم العام للسودان بأمره!!
وأضاعت هذه الحكومة القيم والدين والأخلاق وعادات وتقاليد السودان حتى في اللبس, وادخلت البنطلون الناصل والشعر المفلفل, وجاءت بالمثليين وعملت لهم قانونا ومنحتهم من شدة استهتارها دار جمعية القرآن الكريم, ولَم تكتفِ بكل هذا, ولكن بدأت في تفكيك الجيش والدعم السريع, وصار منسوبوها يشتمون القوات المسلحة والدعم السريع ليل نهار حتى وصل الأمر بأحد وزرائها أن يُحرِّض الجيش للانقلاب على قائده!!
بل سعت لفتنة قبلية وجهوية وعُنصرية, حتى قسّم أحدهم, الشعب الى من يشبهه وآخرين لا شبه له به, بل جعلوا أقاليم السودان تعلن العصيان عليهم وتُطالب برحيلهم كما فعل الناظر تِرِك والإقليم الشرقي بقفله الميناء. وكانت حكومة وحاضنة سياسية غريبة على السودان!!
إذن هذا هو الحال قبل 25 اكتوبر 2021م, وملخصه لا دولة ولا قانون ولا أمن ولا قيم ودين, ولا احترام لمؤسسات الدولة العدلية والقضائية والعسكرية, ولا أمانة وذمة مالية ولا حفظ لمال ولا عرض, ولا حرمة لمال عام, ولا قيام مؤسسات عدلية, ولا شفافية في الممارسة السياسية وعمالة خارجية, وضياع السيادة والقرار الوطني والارتهان للخارج, وضِيق في العيش والحياة الكريمة, وخداع وغش وتدليس وغير ذلك الكثير المُثير الذي جعل السودان يكون أو لا يكون!!
وعندها ولكل هذه العوامل وغيرها, قال الجيش كلمته بمُوجب وثيقتهم الدستورية وقانونه قف, وأوقف هذا العبث ببيان القائد العام في ليلة 25 أكتوبر 2021م, ليُعيد أمر حكم دولة السودان إلى نصابه, جاعلاً الأمر كله بيد الشعب لا في يد القحّاتة الرباعية ولا في يد الخارج!!
وفِي الحلقة القادمة نكتب ثم ماذا بعد 25 أكتوبر 2021م…؟
تحياتي،،،
صحيفة الصيحة