الجزء الرابع
مواصلة ً للقراءة التحليلية للوضع في السودان ما بعد أحداث 25 أكتوبر 2021.
ما زالت الأنظار تتجه نحو تطورات الأحداث في السودان، ومراقبة التغيرات الطارئة، والسؤال الذى يطرح نفسه و بقوة ماذا بعد الكر والفر بين الطرفين؟ وهل رئيس المجلس السيادى، والقائد الأعلى للقوات المسلحة قادراً على فرض حكومة” أمر واقع”؟ ام أن المتظاهرين، والقوى الحزبية قادرين على إرغامه بالعدول عن قراراته.
مما لا شك فيه ان هناك توقعات سياسية متفاوتة ومتباينة نسبيًا، و كل الأحتمالات واردة لأن السياسة فن الممكن، كما ان السياسة ليس لديها ميزان ثابت، بل هى متغيرة، ومتبدلة بناءًا على التغيرات والظروف و الأحداث، وكذلك كروت الضغط من كلا أطراف العملية السياسية، و العالم المحيط بنا الذي يتأثر سلبيًا او إيجابيًا بكل تغير فى المنطقة.
وعليه ليس من السهل التكهن باى كفة سوف تكون راجحة، ولا يمكن التنبؤ بسهولة حول ماذا ستكون الخطوة القادمة لرئيس مجلس السيادة السودانى و خصومه من القوى السياسية الحزبية؟، كما لا يمكن الإجابة بلا او نعم، لان السياسة تفاجئنا دائما بما لا نتوقع، فهى فن الممكن، ولعبة محورية قد تنقلب فيها الموازين و المعادلات فى اى لحظة وفقًا للظروف والأحداث والمتغيرات.
وعليه يمكن تجزئة المحاور التحليلية الرئيسية الى:
1ـ الشعب السودانى وإرادته، ومدى قدرته على التأثير على الأحداث.
2ـ قوى الحرية و التغيير(الأحزاب السياسية)، وتجربتها فى الحكم، ومدى قدرتها على التأثير وكروت ضغطها، بالاضافة لتجمع المهنيين.
3ـ المجلس السيادى والقيادة العليا للجيش، بالتعاون مع شركاء السلام، ومدى قدرة البرهان على التاثير، وكروت ضغطه.
4ـ دول المحاور والمجتمع الدولى واثرهم وتأثيرهم فى القرار.
نبدأ بمحور الشعب وارداته، ومدى قدرته على التأثير.
من المعلوم ان ثورة ديسمبر المجيدة قلبت الموازين عبر الإرادة الشبابية المستقلة، والشارع الذى تمكن من إسقاط إمبراطورية دامت ثلاثين عامين، فى الوقت الذى عجزت فيه الاحزاب والجبهات المعارضة ان تتفق فيما بينها و تسقط نظام الإنقاذ بعمل معارض موحد، و عجزت حتى ان تُجمع على كلمة واحدة.
فى الوقت الذى انقسمت فيه الأحزاب المعارضة آنذاك الى: من رفعت شعار الهبوط الناعم، و اخرى دعت لحوار خارجى بين كتلة المعارضة السودانية المدنية والمسلحة، حوار خارجى ينتقل لحوار داخلى مع النظام البائد، وقوى سياسية مدنية ومسلحة كانت قد شدت رحالها وتوجهت للمشاركة فى ورش تنزانيا المدعومة امريكياً لخوض انتخابات 2020 مع قائد نظام الإنقاذ البشير.
فى ذات الوقت كانت هناك قوى سياسية تقود مناظرات في دار أحزابها لاقناع عضويتها بخوض الانتخابات الرئاسية مع الرئيس المخلوع البشير.
وفى هذا الوقت بالتحديد تمكن الشارع السودانى والشباب المستقل من مفاجئت هذه القوى السياسية بثورة ديسمبر المجيدة فى أجمل لوحة عبقرية لصدق الإرادة الوطنية.
ومع اندلاع ثورة ديسمبر التى حسمت الفوضى وقلبت الموازين بصورة مفاجئة ظهرت كيانات أسمت نفسها تجمع المهنيين، وتحالف الحرية و لتغيير”قحت”.
ومن هنا نبدأ التحليل، بمحور قحت تجربتها فى الحكم، مدى تأثيرها و كروت ضغطها.
حاولت قحت (قوى الحرية و التغيير السودانية) من ان تمطى ثورة الشباب، و ان تتصدر المشهد الثورى، وتتحكم فى المسار، و تخطف الثورة فى غفلة، بعد ان اثبتت ثورة ديسمبر الشبابية انها كفة راجحة، عندها شهد السودان تهافت هذه القوى السياسية حتى تجنى ثمار ثورة الشباب.
فسارعت فى عقد شراكة مباشرة مع المكون العسكرى، عبر وثيقة دستورية تعطيها شرعية ملكية الثورة و مكتسباتها، وتمهد الطريق لهذه القوى السياسية الحزبية، وتشرعن لها لتقاسم السلطة مع المكون العسكرى، بدلًا من إعلان حكومة ثورية مستقلة من امام إعتصام القيادة العامة عبر الشعب و بإرادة الشعب.
وعليه كان القبول بقحت وآخرين من مختطفى الثورة “أمر وأقع ” أوجبته الضرورة، وكان اعلان حكومة قحت كذلك بأعتبارها “حكومة امر واقع” فرضتها الظروف، لم تاتى بإرادة الشعب، ولا عبر استفتاء شعبى، و لم تكن منتخبة، و لكن فرضتها الظروف، وفرضها توافق قوى سياسية فيما بينها على إختطاف الثورة الشبابية، وإعلان نفسها الممثل الشرعى للشعب السودانى شاء من شاء و ابى من ابى .
هذا الشعب السودانى الذى يتكون من اكثر من أربعين مليون نسمة، وولاية الخرطوم العاصمة وحدها تمثل أكثر من سبعة ملايين نسمة ،لم يفوضوها، فكانت حكومة قحت “حكومة الأمر الواقع” بإمتياز ، و هى تمثل فقط مجموعة إنتهازية تعبر عن مصالحها، ومحاصصاتها الحزبية التى أتت بوزارء ومستشارين ضعيفى القدرات و منعدمى المهارات والكفاءة، وفاقدين للتجربة، أرهقوا خزينة الدولة بمرتبات عالية خرافية يصرفونها بالدولار مقابل صفر إنجاز ، بالإضافة لمصروفات العربات الفاخرة والسكن الخمسة نجوم و امتيازات اخرى، فى ظل ضائقة معيشية أرهقت كاهل محمد أحمد السودانى البسيط الذى لا يملك قوت يومه، فى الوقت الذى كانت تطالبه فيه قحت بالصبر و التقشف، فسلم الشعب السودانى “لحكومة الأمر الواقع القحتية” دعماً للانتقال المدنى و آملًا فى غدٍ أفضل.
ولكن سرعان ما أنكشفت سواءتهم وعورتهم، وأتضح للجميع أن قحت تفتقر للرؤية والمشروع فى آن واحد، وكان احد اهم أسباب فشلها المحاصصة السياسية، وسوء الإدارة و التنفيذ.
حيث كشفت قحت عن أنها غير متفقة، وغير منسجمة فيما بينها، وان ما جمع بينها آنذاك مؤقتا كأحزاب كانت لعبت الكراسى السلطوية متمثلة فى “من يحكم السودان”، دون أدنى رؤية سياسية و اقتصادية واجتماعية لما بعد الجلوس على كراسي الحكم.
وسرعان ما أتضح ان قحت لا مشروع لها للنهضة بالشعب السودانى، وكان ذلك باعتراف رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك الذى صرح بان قوى الحرية والتغيير لم تسلمه اى مشروع، وليس لديها مشروع.
فعندما وضعت قحت فى كرسى الاختبار العملى الفعلى بعيدًا عن التنظير و الهتافات، و العمل الوهمى الهلامى عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبدات عملية التنقيه، و التفحيص و التمحيص المتمثل فى العمل التنفيذي و الإدارى فشلت قحت فشلًا ذريعًا، و تأكد المواطن ان هذه القوى السياسية الحزبية تنتهك شعارات الثورة الشبابية الديسمبرية المستقلة( حرية سلام و عدالة)، ورفعت شعارها المتمثل فى (من أتفق معنا فهو قديس و من خالفنا فهو ابليس)، فعادت مرة اخرى لاستغلال الشارع بهدف تسخيره لتحقيق مطالب حزبية سياسية مبطنة متخفيةً وراء الشباب فى المظاهرات، و الاعتصامات، مستثمرةً فى زرع الفتنة، وإحداث الوقيعة بين مكونات الشعب السودانى المختلفة معها فى الراى، لضربهم ببعضهم البعض تارةً، و أحداث الوقيعة بين الثوار والمنظمومة العسكرية تارةً اخرى، تلك المنظمومة التى كانت قحت هى من سارعت بالخطوى للتفاوض معها، و مشاركتها فى تقاسم السلطة، و تركت وراء ظهرها دماء الشهداء، الشهداء الذين ليس من بينهم شهيد حزبى واحد بخلاف الأستاذ أحمد الخير المحسوب على المؤتمر الشعبي الإسلامي، و مع أن الشهداء هؤلاء غير حزبيين، وليس لقحت فيهم ناقة و لا جمل ، لكنها عادت اليوم لتتاجر بهم مرة أخرى، مستغلةً الشارع لتحقيق أهدافها، مستثمرة في زرع الفتنة، و تأجيج مشاعر الشارع، و أستثمار الدماء ككرت ضغط على المجتمع الدولي حتى يصطف فى صفها، وضد خصمها.
وتستمر قحت فى الاصطياد في الماء العكر لكسب سياسي ذاتي غير حقيقي، جر البلد الى حالة فوضى ، أشعلت نار الفتنة و الكراهية ، و لكن سرعان ما كشف كرت الضغط هذا عن عورة المتاجرين به، الذين خلقوا الازمات القومية لتحقيق مكاسب سياسية ذاتية، ضد المصلحة الوطنية .
وتبقى حقيقة راسخة فى نظر المجتمع الدولى و المحلى ان هناك مجموعة أحزاب بعينها انكشف عنها الستار، و عن عدم جاهزيتها لقيادة فترة انتقالية ، معروف ان من أهم ركائز المرحلة الانتقالية صنع الوفاق الوطنى، و يكون ذلك عبر الإتفاق عليها، حتى يتثنى لها العبور بالبلاد و العباد لبر الأمان.
ولكن قحت إتُهمت بضرب النسيج المجتمعي، بالاضافة الى افتقارها للمشروع و الرؤية، و انها ليست مؤهلة ، و لا جاهزة للقيادة، و تحتاج لزمن طويل لترتيب بيتها الداخلى، و بناء نفسها، و تحضير كوادرها، و الرفع من قدراتهم و مهاراتهم، وتحتاج لرصيد تجربة مكتسبة للإدارة و التنفيذ، لكنها أثبتت أنها لا تلبى طموحات و أهداف الثورة.
ونظرًا لهذه التطورات و التغيرات مجتمعة تصبح فرص قحت ضعيفة جدًا فى فرض نفسها مرة أخرى كأمر وأقع ، و كرت ضغطها الوحيد هو استغلال الشارع، و المتاجرة بالدم، و محاولة ضغط المجتمع الدولي الذى فهم اللعبة، و إصرارها على إيصال السودان الى مرحلة “إنسداد” تستغله هذه الفئات المؤدلجة، و بلا سند شعبى حقيقى لتحقيق مكاسب، و فرض نفسها، متهربةً من الانتخابات، تسعى قحت لأحداث الإنسدادات لفرض نفسها كأمر واقع، و لسان حالها “أما قحت الحزبية او الطوفان”.
تابعونا للحديث بقية.
صحيفة رأي اليوم – كاتب سودانية
صحيفة السودلني