إن أسوأ ما أحدثته الفترة الغابرة هو افسادها لعقول الناس بخطابها المضلل وصناعتها للروايات السينمائية وحشوها في عقول الناس بلا وازع أخلاقي ؛ فقد حاول هؤلاء تهيئة إنسان بلا وعي بلا إدراك بلا فهم ، إنسان يحب ( الظن) ويكره (اليقين) ، إنسان يحب (الخيال) ويكره (الواقع) ، إنسان يرى أن (الكراهية حب) وأن ( الحب بغض) ، حاول هؤلاء وربما نجحوا في جريمة إفساد عقول الناس وإفساد رأيهم فغبشوا عليهم النظر إلى الأشياء وحولوهم إلى بوق يصدر صوت واحد ويرى بعين واحدة وفي اتجاه واحد رغم سعة الفضاء الذي أمامه..!!
ليس هناك جريمة أكبر من تغييب الوعي ؛ وتخمير عقول الناس بالزيف والضلال؛ ليس هناك جريمة أكبر من الكذب المطلق واختلاق الروايات وتطويع كل شيئ بما يتوافق مع مزاجية أحزابهم البائسة والكسولة والخالية من الفكر والموضوع ؛ فأوحوا للناس من خيالهم المريض أن الفشل نجاح ؛ وأن الخراب إصلاح وأن الإصلاح خرابا، لذلك خربوا بحجة الإصلاح ؛ وفشلوا بحجة النجاح ؛ وصفوا بناء الطرق والجسور خرابا ؛ ووصفوا تشليع الانترلوق ووضعه كمتاريس اصلاحا..!!
أفسد هؤلاء مصطلح ( المدنية) وضللوا به الناس ؛ وخدعوهم بأن المدنية تعني فقط بقاء حمدوك وشلته المكونة من الأربعة أحزاب وذهاب العسكر وجلوس محمد الفكي رئيساً للمجلس السيادي ؛ هذه هي المدنية التي حشروها في عقول الشباب فجعلوا بعضهم لا ينظر لمعنى ومفهوم الحكم المدني فالمهم عندهم ألا يكون مرتديا لبسا عسكريا حتى وإن كان مستبدا شموليا طاغيا متجاوزا للقانون..!!
ضللوهم عن قصد وخططوا لجهلهم لذلك لم يشرحوا لهم معنى كلمة (مدنية) لذلك صنعوا بداخلهم عقول فاسدة ؛ تخمر بداخلها فكر فاسد ؛ فأصبحوا لا ينتبهوا ( للمحتوى الموضوعي) ولا يفهمون معنى عبارة (تحول ديمقراطي ) لذلك يرى كثير منهم أن ما حدث إجهاض للتحول الديمقراطي ؛ ولا يدرون كيف هو تحول ديمقراطي؟!!
أصبح هؤلاء الضحايا يرون أن (المدنية) ليست هي دولة المواطنة والحقوق؛ هي ليست دولة القانون ؛ أصبحوا يرون أن المدنية هي عكس العسكرية لأنهم لا يقرؤون التاريخ ولا ينظرون إلى تجارب العالم لذلك لم يعلموا أن غالبية الديكتاتوريات التي وثق لها التاريخ كانت من شخصيات مدنية (ترتدي الزي المدني) ؛ ولم يلاحظ الغوغاء أن غالبية رموز الديكتاتوريات والشمولية في العالم ومن حولنا من شخصيات مدنية ترتدي اللبس المدني ؛ وتمارس أسوأ نوع من التسلط والاستبداد..!!
صفوة القول
حاكموهم على إفساد عقول الناس فهذه من أخطر الجرائم لأن ضررها أكبر من ضرر الانقلابات العسكرية وضررها يؤثر على الحاضر والمستقبل، ولا يمكن لأمة مضللة أن تبني وطنا ناجحا ؛ والله المستعان.
بابكر يحي