عقب مرور أسبوع على بيان البرهان الذي حل بموجبه مجلسي السيادة والوزراء وعطل فيه عددا من بنود الوثيقة “الدستورية”، ما يزال اسم حمدوك يتردد كمرشح أساسي لتشكيل حكومة “الكفاءات الوطنية” التي وعد بها البرهان….
حمدوك من وجهة نظر مرشحيه سيختصر المسافة في مسار الاعتراف الدولي بتغيير البرهان، وأيضا سيعمل على الفرز بين أنصار الأحزاب الأربعة وبين من يرى في حمدوك رمزا لـ”المدنية” ما يعني التفاف المزيد حول خطوة البرهان…
الحجج التي تساق لترشيح حمدوك تبدو منطقية للوهلة الأولى، ولكن بحكم المتابعة نرى أن هذه الحجج لا تتسق مع مسيرة الرجل طيلة السنتين الماضيتين وفيما يلي نقاط فاصلة تكشف حجم إمكانيات الرجل وطريقة إدارته، فحمدوك:
* ابتدر مسيرته ببيان مطار الخرطوم الذي أعلن فيه عدم اعتماده على الهبات وأنه سيبني اقتصاداً منتجاً، ثم قام بتعطيل اجازة ميزانية 2020 بانتظار مؤتمر أصدقاء السودان الذي عقد متأخراً إلى ما بعد منتصف 2020 ولم يثمر شيئاً!.
* تأخر في إعلان برنامج حكومته ليقول بدون حرج في لقاء مع الجالية السودانية في السعودية أنه ما زال ينتظر البرنامج من الحاضنة السياسية رغم معرفته بأن البلاد بحاجة إلى خطة اسعافية.. وخطة الحاضنة التي تأخرت أشهرا جاءت بكلام عام دون برامج واضحة وبعد إعلان مصفوفة لها لم يتم الالتزام بشيء منها!.
* لجأ إلى إدخال البلاد تحت طائلة البند السادس للأمم المتحدة وتوريط السودان بتدخلات بعثة اليونتامس وأعلن بأنه قام بالخطوة لدعم عملية الانتقال السياسي!.
* سمح لكل وزراءه أن يلتقوا بالسفراء ويسافروا نحو البلدان دون قيد أو شرط حتى أصبح السفراء يتدخلون في أصغر الأمور كالصراعات بين القبائل في اطراف الولايات!.
* ظل في حالة تأرجح بين وزير ماليته البدوي وتأثيرات الحزب الشيوعي ومنسوبيه في مكتبه ما جعل الاقتصاد يدخل في أزمة حقيقية اختتمها حمدوك بالإطاحة بالبدوي ثم تطبيق نفس خطة البدوي!، ولا ننسى التراشق بين الرجلين وتبادل الاتهامات بالتقصير في الاقتصاد.
* أعلن إقالة 7 من وزراءه بعد تزايد الضغوط الشعبية ثم ترك مناصبهم شاغرة قرابة 8 أشهر، وحينما سئل عن سبب التأخر في تعويض الوزراء قال بأنه سلوك “سوداني” في التأجيل والتأخر حتى أصبح الأمر ككرة الثلج! – حسب قوله-.
* أصر على تعيين والي كسلا دون تقديم الدعم المناسب له، فلا استطاع الوالي أن يستلم منصبه ولا تم تعيين بديل له، ودخل الإقليم الشرقي في مواجهات قبلية وسقط العديد من الضحايا دون أن يقوم حمدوك بمبادرة جادة او حتى زيارة للمنطقة!.
* بعد وعوده باللجوء للاقتصاد المنتج وعمل برنامج اقتصادي مثل “الطاقية” التي تناسب “الرأس السوداني”، ثم قام بتطبيق رشته البنك الدولي بحذافيرها دون الالتفات لمعاناة الشعب ما أدى لسحق الطبقة المتوسطة وإعدام الطبقة الفقيرة، وتساءل الجميع عن حجم هذه “الطاقية” هل هي للرأس السوداني أم لرأس “حاخام”!.
* استمر طيلة السنتين بإعلان مؤتمرات صحفية وخطابات للأمة السودانية في المراحل المفصلية ثم ليكون الخطاب محتويا فقط على جملة راتبة تتحدث عن ان الشعب “سيعبر” و “سينتصر” رغم وقوع الشعب في سلسلة من المعاناة لا تنتهي!.
* استمر في دعم القراي في مسيرته حتى كاد أن ينفرط عقد التعليم بسبب استفزاز القراي لهوية الشعب السوداني وتعديه على الثوابت هو ووزير التربية آنذاك، وبعد توالي الضغوط عزل حمدوك القراي مع الإبقاء على نفوذه في المناهج والإبقاء على تجاوزاته دون تغيير!.
*شكل حكومته مع الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا وجاءت تشكيلته الحكومية ناقصة إلى حين بيان البرهان، حيث فشل الرجل في استكمال تشكيلته والوصول لتسوية مع الأطراف المختلفة، وقد أدى ذلك لتضرر العام الدراسي 2021 – 2022 بسبب شغور منصب وزير التربية والتعليم حتى الآن!.
* وعد عدة مرات بتشكيل المجلس التشريعي واستكمال هياكل السلطة في البلاد وفشل في كل مرة بالإيفاء بالمواعيد التي كان يعلنها بنفسه!.
* استمر في التعاطي البارد مع أزمة الشرق وفشل في التواصل مع رموزها ما أدى لإغلاق الميناء وتعطيل حركة التجارة ودخول الخرطوم في أزمة خانقة دون أن يقدم على حلول عملية لحين عزله!.
* لم يقبل أن يتخذ خطوة جادة باتجاه حل الحكومة وتشكيلها من جديد ليحل مسألة تفتت الحاضنة السياسية وأصر على قرار التماهي مع الأحزاب الأربعة لحين عزله، وحتى قبيل لحظات من العزل ورغم الظرف شديد الخطورة طلب أن يُمهل أياماً ليرضي حاضنته قبيل أي خطوة رغم أن البلاد كانت على شفير الهاوية لكن الحاضنة كانت عنده أولى!.
* عقب بيان البرهان وإعلانه فسح المجال لحمدوك لتشكيل حكومة كفاءات وطنية وأن يعمل بعيداً عن تأثير الحاضنة رفض الرجل حتى الآن أن يقوم بهذا الدور الوطني وترك البلاد تنزلق نحو الحشود والتظاهر وتعطيل الحياة ليحافظ على علاقاته بالحاضنة حتى لو سقطت البلاد في أتون الصراع المجتمعي!.
يبقى أن نقول بأن المنجز الوحيد الذي يتحدث عنه حمدوك هو رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وهي خطوة مهمة قال البرهان بأنه عمل عليها مع الرجل دون الحاضنة السياسية!… وقد تم هذا الأمر بدفع المال وليس بالخبرة الدبلوماسية أو الحنكة الإدارية لذلك يمكن القول بأنها خطوة يمكن لأي أحد القيام بها وقد كان للبرهان دور أساسي فيها ظهر من خلال حديثه المباشر مع ترمب آنذاك..
وبعد هذا العرض يبقى السؤال الحقيقي هل يحتاج السودانيون فعلاً لإعادة تجريب رجل لم تسعفه الخبرة والإرادة لاتخاذ القرارات الصائبة في اللحظات الحاسمة، وقاد البلاد بعد سنتين كالحتين إلى نقطة البداية حيث المكون العسكري الذي يحاول “تصحيح المسار”.
أويس الجلبي