على طريقة الكاتب الأمريكي ( جون غراي ) الذي صدر له في بواكير عقد التسعينيات من القرن الماضي- 1992 ، كتاباً بعنوان ( الرجال من المريخ والنساء من الزهرة ) ، و صار من أكثر الكتب إنتشاراً و توزيعاً في العالم ، يتناول الكتاب العلاقة المتشابكة دائماً و المعقدة بين الرجال والنساء ، من حيث الطبائع و الاهتمامات و الميزات و مشاعر الإعجاب و نقاط الإختلافات ، يكتشف الرجال و هم من كوكب المريخ ، النساء و هن في كوكب الزهرة ، فـ يتعارفون و يحدث الحب و الاعجاب و يعيشون لحينٍ معاً ، ثم يقرروا الذهاب معاً للأرض ، و هناك يعرفون حجم الإختلافات بينهم وتتكاثر الخلافات ، و يفقدون الذاكرة ،و ينسون أيام الحب و التناغم ، و يدب الخلاف من ذلك اليوم بين النساء و الرجال ..
على هذه الطريقة .. كانت العلاقة بين العسكر و مجموعة الأربعة من الحرية والتغيير مثل تلك التي صورها الكاتب و الطبيب النفسي الأمريكي جون غراي ، بدأت مرفرفة باجنحة الاحلام و رقيق الكلام ورشف المدام ، و إنتهت بنهاية وزوال ذوات الخدور من أحزاب قحت (أ) بعد الشقاق مع العسكر ، و تحول كل شيء إلي خلاف مضنٍ ، أدمي الأنوف و كبّل المعاصم اللينة ، و تحولت قحت (أ) من الإستلقاء على طنافس النعيم الناعمة ، إلي جحيم أرضية السجون و المعتقلات الباردة القاسية ….!
إنتهى سريعاً شهر العسل عندما سافرا معا إلي أرض الواقع بكل أزماته و معضلاته ، والسودان مثقلٌ بجراحاته و تحدياته و التزاماته و إختباراته ، فكل ذلك شاخص و بائن في السياسة و الإقتصاد و الأمن و الإجتماع ، لم يقو الحب أن يصمد و لو قليلاً ، فقحت (أ) بطرت معيشتها و زاد فحشها و انتفخت أوداجها من وهم السلطة الزائف الزائل والفساد الذي أطبق راحتيه مزدرداً .. ملتهماً حتى تجشأ ، فـ سئم العسكر من ملامسة العناكب الراعفة و خربشات أظافر السم الملونة ، و كرهوا مسحوق النفاق السياسي الرخيص ، ثم فقدت قحت الذاكرة ، و تنّكرت للعسكر و سعت إلى شيطنتهم عيناً بياناً ، و تناسي العسكر مسيرة عامين و نصف من الحب و الإعجاب القحتي .. جهاراً نهاراً ، كانت سواعد العسكر و فوهات بنادقهم على تلال ذاك الوهم و روابيه ، تحمي سليلة كوكب الزهرة السياسي في تمنعها الأنثوي القميء ، و هم يتبادلون أنخاب شراكتهم السياسية ، وكان الشعب في واد بعيد وسحيق عن العلاقة المحرمة … حتي طاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون .
لو لم تتحول قحت (أ) إلي مخلوق نزق فاشل عاجز ، مشوه الوجه و الفؤاد ، و أنيابه تنهش في لحم الوطن ، و أيدي العملاء منهم تلهث وراء الدولار و الدم لإرضاء الأجنبي ، و بيع البلاد بثمن بخس في سوق النخاسة الدولية ، لما جري لها ما جري … لقد صارت ( زومبي ) سياسي توّجب إبعاده من الساحة ، فأبعده الحليف ، و عافه الرفيق ، و فرّ منه الجميع فرار الصحيح من الأجرب ، ببغيها نالت منها السياط .. و علي الباغي تدور الدوائر … لقد تعافي جسد الوطن من تلك السقام العابرة .. و كان العسكر آخر من تنبه إلي خطورة الوباء السياسي بعد أن كاد ينتشر ، فركلوها الي حيث القت رحلها أم قشعم .
عندما فاق العسكر و بان لهم الخطر صمموا العودة الي الشعب ، فالشراكة السياسية بين الشريكين تبخرت في الهواء ، فهل عادت كرة النار إلي دوراها من جديد ، كل شيء لم يعد هادئاً في ميدان الشراكة العشبي المتيبس ، أنهي العسكر سطوة قحت (أ) ، جزاءً وفاقا بما صنعت اياديها و بما انتوت علي فعله ، فإجتُثت شجرتها و سنابلها من فوق الأرض ، فما لها من قرار ، و الآن وقد طاشت ساهمها ، و خاب رماتها ، تخبطت خبط عشواء في كل اتجاه ، تارة للشارع و تارة للخارج ، فلم يأتها نصر مبين ، خذلها الشارع العريض ، فها هي تذوي كما تذبل اوراق الشتاء ، وتنطوي صفحة من كالح التاريخ السياسي ، لينهض العسكر من جديد … فهل يبحثون عن كوكب جديد سكانه أياديهم ليست مخضبة بخطاب الفشل والعجز و السباب …؟ أم ماذا ..؟!!!!
الصادق الرزيقي