* ستقف بلادنا اليوم على أطراف أصابعها ترقباً لما سيسفر عنه سيناريو التحشيد واستعراض القوة الجماهيرية بين أطراف أزمةٍ سياسيةٍ، تُعدُّ الأخطر من نوعها في تاريخنا المعاصر.
* نبتهل للمولى عز وجل أن يمر هذا اليوم العصيب بلا دماء ولا أشلاء، وأن يُعبِّر كل طرفٍ فيه عن رأيه بنهجٍ سلمي، نباهي به بين الأمم، وندلّل به على تحضرنا وقدرتنا على إدارة صراعاتنا والتعبير عن آرائنا بلا عنف ولا تشنج.
* نتلفت حولنا في هذه الأزمة الخانقة، لنستطلع لمسة العقلاء، وتدخل الحكماء في بلادنا، فلا نجد منهم إلا الدكتور الشفيع خضر، الذي كتب سِفراً قيِّماً حذّر فيه من عواقب وخطورة حالة الاستقطاب السياسي والاجتماعي التي بلغت حداً حرجاً، ينذر بانفجارٍ شاملٍ، ينسف البلاد ويقضي على أمنها وسلمها وطمأنينة أهلها.
* ما أحوجنا إلى حكمة د. الشفيع، الذي ناشد أطراف النزاع بأن يزنوا خطابهم السياسي، ويتوقفوا عن إقصاء الآخر وتخوينه، وذكر أن المواطن العادي بات على يقينٍ كامل بأن معيار الخلافات الحالية أصبح مرتبطاً بالمصالح الحزبية الضيقة، لا مصلحة الوطن.
* شتان بين الخطاب الهادئ المتزن العقلاني الحكيم للشفيع، والخطاب الصبياني المتشنج وغير المسؤول لعضو لجنة إزالة التمكين وجدي صالح.
* نقول لوجدي إن هذه البلاد ظلت تستند إلى تنوعٍ إثنيٍ ودينيٍ وسياسيٍ وثقافيٍ واجتماعيٍ كبير، ولا يشترط في أهلها أن (يشبهوا) بعضهم البعض بأي وجهٍ من الوجوه.
* يمثل ذلك التنوع الكبير كنزاً قيمّاً لبلادنا، وعنصر قوةٍ لا عامل فرقةٍ وضعف، لذلك حرصت كل الدساتير على صيانته، وضمان حسن إدارته بما يحفظ الحقوق والواجبات، ويمنع جُور أي فئةٍ على الأخرى، وقد سُنّت الوثيقة الدستورية لإدارة الفترة الانتقالية بما يدعم ويثري ذلك التنوع، واحتوت في داخلها وثيقةً للحريات والحقوق كي تحفظ حقوق كل أهل السودان، وتكفل لهم أن يُعاملوا على قدم المساواة، ولكي لا يتوهم كائن من كان أنه متميز على الآخرين بدينه أو عرقه أو نوعه أو انتمائه السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي.
* بالتالي تبقى إشارات وجدي المتشنجة عن أن فئة ما لا تشبه الآخرين لتميزها عليهم بأي نهج مستنكراً في كل الأحوال، ومستهجناً بغض النظر عن هوية قائله.
* (ما بشبهونا).. عبارة مقيتة بمعزلٍ عن السياق الذي أتت فيه لأنها تدل على نفسية شمولية، وعقلية متكبرة ومتجبرة، يتوهم قائلها أنه وجماعته التي يتحدث باسمها يمثلان نموذجاً يحتذى في البلاد.
* لا نحفل كثيراً بأقوال وجدي، لأن أفعاله كانت أوفر تعبيراً منها عن نفسيته الشمولية وعقليته المتسلطة وميله إلى انتهاك القانون لإيذاء الخصوم عبر لجنة إزالة التمكين، وفيها رأينا ما فعله عبر لجنةٍ ازدرت كل حقوق الإنسان، وداست على كل البنود التي حفظت فيها الوثيقة الدستورية حقوق المتهمين.
* حرمت اللجنة التي ينتمي إليها وجدي المتهمين من حقهم الدستوري في المحاكمة العادلة، ومن حقهم في السماع، ومن حقهم في المحاكمة الحضورية، ومن حقهم في الدفاع عن النفس، ومن حقهم في أن يظلوا أبرياء حتى تثبت إدانتهم.
* فِي مؤتمرات لجنة إزالة التمكين ظل وجدي يصرّح برغبته في إيذاء المنكودين الذين رماهم حظهم العاثر في طريقة، ويعلن أن ينتوي تعذيبهم وإيلامهم بترديده كلمة (سيصرخون).
* فِي مؤتمرات لجنة إزالة التمكين رأينا كيف كان وجدي يتلذذ بإعلان قراراتٍ ظالمةً ومعيبة، أدت إلى تشريد الآلاف من موظفي الدولة من مناصبهم وحرمانهم من مصادر دخلهم بلا سندٍ من القانون، وكيف ظل وجدي يعلن تلك الأرقام بزهوٍ غريب، (كأنهم حزمة جرجير يُعدُّ كي يباع لخدم الإفرنج في المدينة الكبيرة).
* التحية للدكتور الشفيع خضر على حديثه المسؤول، العامر بالحكمة والوطنية والحرص على سلامة البلاد وأمن أهلها، وما ضرَّ وجدي صالح ما يقول.. بعد أن رأينا ما فعل.
صحيفة اليوم التالي