ونُلــكّن..
بل ونلكك… ونلكلك..
فحياتنا كلها صارت لكلكة..
من لدن أكتوبر الأخضر ذاك… وحتى أكتوبر الأغبر هذا..
وربما يصبح أكتوبر الأحمر..
فأكتوبر ذاك شهد ثورة عظيمة… عظيمة جداً… ولكن..
فنفوسنا الأمارة بالسوء… والحقد… والحسد… والسلطة… أجهضتها..
فكل فعلٍ عندنا يبدو جميلاً في بدايته؛ ولكنا نلكِّنه..
تصيبه لعنة لكن؛ وكأننا نعيش نسخة واقعية – لا نهاية لها – من فيلم الشؤم..
فقد تم استهداف الحزب الشيوعي دونما سبب..
أو بسبب ندوة – ذات تجديف – لم يكن الشيوعي متسبباً فيها..
هذا ما اكتشفه من تآمروا عليه بعد سنوات..
من أبعدوه من البرلمان… وكادوا أن يبعدوه حتى من السودان..
فخرج من الباب… وأتى إليهم من الشباك..
أتى من نافذة انقلاب جثم على صدورنا – وصدر بلادنا – سنين عددا..
بل وجثم على صدره هو نفسه – الشيوعي – بعد ذلك..
تماماً كما جثم من أتى بهم الترابي عبر انقلاب على صدره… وصدر جماعته..
وعلى صدورنا نحن حتى كتم أنفاسنا..
وأيضاً لم يكن انقلاباً بلا سبب؛ فقد فعلوا في الإسلاميين ما فعلوه بالشيوعيين..
أبعدوهم من حكومة شاركوا فيها بشرعيتهم الانتخابية..
فأجهزوا على شرعية ديمقراطيتنا الثانية؛ وحكموا بلا شرعية لعقود ثلاثة..
وأيضاً كانت لعنة لكن حاضرة هنا..
فاللكلكة السياسية – والاقتصادية – كانت تجربة تمضي في طريقها الصحيح..
فالديمقراطية تصصح أخطاءها بنفسها..
تصححها بالمزيد من ممارسة التجربة – والتجريب – حتى تقف على رجليها..
ولكن – أكرر لكن – هل صبرنا عليها؟..
هل صبرت عليها أنفسنا الأمارة بالسوء… والحقد… والحسد… والسلطة؟..
لم تصبر؛ وقلنا لكن – لاحظ لكن – هؤلاء ليسوا معنا..
فأطيح بهم – جماعة التيار الإسلامي – في سياق تعارك على الكراسي..
فنحن دوماً نتصارع على الكراسي..
وتتقمصنا في صراعنا هذا روحٌ شريرة ذات حقدٍ… وحسد… وأنانية..
والمستعمر انتبه لهذه الرذائل فينا..
قال قائلٌ منهم أن السودانيين لن يتطوّروا ما لم يتخلّصوا من طبائع الحسد..
ولكن – ولكن… ولكن… ولكن – هل تخلّصنا منها؟..
أنظروا إلى مأساتنا الراهنة؛ سببها غلبة هذه الطبائع فينا… ولا شيء سواها..
فئة تستأثر بالحاضنة السياسة..
وتقول للآخرين: أنتم لستم معنا… ثم تستأثر بالمناصب التنفيذية..
وتظل مكنكشة رغم اللكلكة… والتِلكِّك..
وعندما تشعر بخطرٍ يتهدد كراسيها تلجأ لشعارات كاذبة… خداعاً للناس..
والغريب أنك تجد من الناس هؤلاء من ينخدعون..
وهذه من غرائب حياتنا السياسية كذلك… ونميري قبيل سقوطه حشد الملايين..
أو احتشدوا هُم له من تلقاء أنفسهم..
والآن حشودٌ… وحشودٌ مُضادة؛ حُشود المكنكشين ضد حشود المبعدين..
وما من أحدٍ – من الجانبين – سيكون صريحاً مع حشده..
بل سيكذبون؛ ويتجمِّلون – إخفاءً لكذبهم هذا – بأثواب شعاراتٍ براقة..
وستكون ذكرى أكتوبر منطلقاً لهذه الأكاذيب..
وبالمناسبة؛ لا أحد منهم يستطيع ادعاء الأبوة التاريخية للذكرى هذه..
فكلٌّ حزبٍ له فيها – ومنها – سهم..
حتى جماعة النظام البائد لهم حقٌ تاريخي – ونضالي – في تلكم الثورة..
وستكون مفردة لكن حاضرةً بشدة..
سوف تتربص بالجميع… ثم تقع من إعراب المشهد في موقعها المحفوظ..
الذي حفظناه عن ظهر لعنة منذ نيلنا استقلالنا..
والموقع سيجئ في السياق هذا: لا يمكن أن يستمر الوضع على هذا النحو..
ثم تدور الساقية..
وثورها من فصيلة سودانية ملعونة..
وذات اسمٍ معرف..
لكـــن!!.
صحيفة الصيحة