بسم الله الرحمن الرحيم
لجنة حل الأزمة في ظل الواقع السياسي الراهن
الأزمة الحاليّة تتلخص في صراع سياسي على السُلطة بين مكونات الحريّة التغيير أدى إلى تفتت وتشرذم مكوناتها الثلاث التي وقعت على الوثيقة الدُستورية وهي نداء السُّودان، وقوى الاجماع الوطني، وتجمّع المهنيين، عملياً بتفتت وتشرذم هذه الاجسام التحالفيّة الثلاثة سقط تمثيل المكوّن المدني بالوثيقة الدُستورية إذ أنّ الأجسام التي وقعت عليها لم تعد قائمة.
تداعيات هذه الأزمة انعكست على أداء حكومة الفترة الانتقالية الأولى والثانية فلم تستطع أن تدير دولاب الدولة، وفشلت في تشكيل المجلس التشريعي وتكوين المفوضيات الخمسة المناط بها تنفيذ برنامج الثورة (مُفوضيّة الانتخابات / مُفوضيّة السّلام / مُفوضيّة مكافحة الفساد / مُفوضيّة الخدمة المدنيّة / مُفوضيّة الأراضي) الأسباب الرئيسيّة لهذا الفشل هو:
1/ غياب البرنامج والرؤية لدى قوى الحُريّة التغيير.
2/ الخداع في تشكيل الحكومة الأولى بتشكيل حكومة يسار مستترة من الصف الثالث فتح شهية قوى الحُريّة التغيير لمخالفة المادة 15/أ وتشكيل حكومة محاصصة حزبيّة بموافقة ومباركة السّيد د/ عبدالله حمدوك رئيس مجلس الوزراء والمكوّن العسكري.
3/ ضعف ادارة السيد د/ عبدالله حمدوك رئيس مجلس الوزراء للحكومة ، وعدم التوفيق في اختيار مستشاريه ومعاونيه.
مما سبق فإنّ حل الأزمة الآن يتخلص في النقاط التالية:
أولاً: ابعاد جميع الفرقاء المتشاكسين من الحُريّة التغيير من الحكومة.
ثانياً: تحقيق اصطفاف وطني لا يستثني أحداً إلا المؤتمر الوطني ينهي حالة الاستقطاب الحاد بين اليمين واليسار وبين فرقاء الحرية والتغيير لتصبح الحاضنة السّياسيّة حاضنة قومية.
ثالثاً: تشكيل حكومة تكنوقراط من خبرات عملت في الخدمة المدنيّة لتنفيذ برنامج محدد تكون أهم ملامحه:
1/ إدارة ملف الاقتصاد.
2/ إدارة ملف الفساد واصلاح الخدمة المدنية.
3/ محاسبة الذين افسدوا وأجرموا في فترة الإنقاذ.
4/ التحضير للانتخابات العامة لتجرى في موعدها المحدد في يناير2023م.
لتنصرف كل القوى السّياسيّة لاعادة بناء أحزابها والتحضير للانتخابات العامة كما حدث تماماً عقب ثورة أكتوبر 1964م وأبريل 1985م .
رابعاً: تشكيل مجلس تشريعي يعكس الحاضنة القوميّة وتعيين المُفوضيّات الخمسة.
خامساً: تعيين حكام أقاليم محايدين من القيادات الإدارية ومعاشيي القوات النظامية .
لكل ما تقدم فإن لجنة حل الأزمة السُباعية التي شكلها السّيد/ رئيس مجلس الوزراء من الفرقاء المختصمين لن تستطيع أن تحل الأزمة ، بل ستكون مضيعة للوقت.
الشّاهد الآن كل طرف يعمل جاهداً لشيطنة الطرف الآخر والانتصار لموقفه:
مجموعة المجلس المركزي احتكرت السُلطة وعملت على اقصاء الآخرين وسخّرت لجنة إزالة التمكين لتمكين جديد وحولتها لجهاز أمن يعتقل ويصادر ويبتز لدرجة شوهت بها صورة الثورة وبرامجها، وخلقت لها أعداء كُثر وهم يرفضون التنازل عن هذه المكاسب ويصورون المطالب المطروحة من مجموعة الاصلاح وهي ذات مطالب الشّارع السُّوداني الذي يفرضها الواقع يصورونها بأنّها تحالف مع المكوّن العسكري للقيام بانقلاب أبيض لتصفية الحكم المدني والحُريّة والتغيير.
لقد غاب على هؤلاء بأنّ المكوّن العسكري هو طرف أصيل في الشراكة ولديه مسئوليّة عظيمة لحفظ الأمن والاستقرار في البلاد والوفاء بتسليم السُّلطة للشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة، وهو أمر ظلت فصائل الحرية والتغيير ترواغ فيه وتعمل على تمديد الفترة الانتقالية والاستفراد بالحكم، ولا نذيع سرا بأنّ المكون العسكري كان قد ابلغ مجموعة المجلس المركزي قبل ثلاثة اشهر بقرار القوات المُسلحة بضرورة توسيع الحاضنة السّياسّية وتحقيق اصطفاف وطني ينهي حالة الاستقطاب الحاد في السّاحة السّياسّية السُّودانية وحالة العجز في ادارة الدولة.
لقد واجهت هذه الدعوة رفض الحاضرين من اعضاء الحُريّة والتغيير فرع المجلس المركزي بقيادة حزب البعث العربي جناح صدام حسين الذي حضر زعيمه اللقاء وبمعيته ممثلاً للمؤتمر السُّوداني وممثل من منشقي تجمع المهنيين واثنين من قيادات تجمع الاتحاديين، نتيجة لهذا الرفض شرعت هذه المجموعة في توسيع عضويتها فضمت إليها جناحي الأمّة القومي وشريحة من الجبهة الثوريّة واقامت الاحتفالية بقاعة الصداقة لإعلانها الجديد الذي شارك فيه السّيد/ رئيس الوزراء معلناً انحيازه بذلك لهذه المجموعة.
اعلان قاعة الصداقة بواسطة جناح المجلس المركزي للحرية والتغيير رفع درجة الصراع والمواجهة مع جناح الاصلاح في الحريّة والتغييير.
الي جانب ذلك تزامن مع تصاعد الصراع وقوع الانقلاب العسكري الذي كان أقرب ما يكون إلى التمرد لتنفجر الأزمة المكتومة لأنّ ما حدث من تمرد داخل القوات المسلحة كانت اسبابه الرئيسيّة:
1/ احتجاج على غلاء المعيشة وضعف المرتبات.
2/ رفض الاساءات التي يوجهها مؤيدي الحُريّة والتغيير خاصة المجلس المركزي الى القوات المُسلّحة السُّودانية والشرطة والدعم السريع.
3/ عدم رضائهم عما اعتبروه تراخي قيادتهم العسكريّة في مواجهة الاستهتار والاساءات التي يوجهونها الى القوات المُسلحة والقوات النظاميّة، وفشل حكومة السُّلطة الانتقاليّة.
البيان المتعجل الذي اصدره الناطق الرسمي باسم حكومة السّيد دكتور عبدالله حمدوك الذي أعلن فيه عن المحاولة الانقلابية بأن وراءها الفلول ونوّه إلى أنّ ما يحدث في الشرق من الناظر ترك وشعب البجا هو جزء من التمهيد للمؤامرة أثناء جهود القيادة العسكرية لاحتواء التمرد العسكري.
مخاطبة السّيد الفريق البرهان لأفرع القوات المُسلحة في أعقاب المحاولة الانقلابية والتي أفصح فيها عن مطالباتهم لرئيس الوزراء والمجلس المركزي بضرورة توحيد صفّهم في الحُريّة التغيير وضرورة تحقيق الاصطفاف الوطني وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، هذا الافصاح عن النقاشات الدائرة في الغرف المغلقة بين الحرية والتغيير والمكون العسكري حول الاتجاه أعلاه أدت إلى ردة فعل من مجموعة المجلس المركزي تحديدا خالد عمر سلك وزير مجلس الوزراء الذي تحدى القوات المسلحة بأنهم جاهزون للمواجهة، ومحمد الفكي عضو المجلس السيادي الذي عمد على تحقير قادة القوات المسلحة في اللقاء بالتلفزيون القومي.
هذه الاحداث عمقت الأزمة وأخرجتها للسطح كما نرى اليوم.
المشهد الحالي وتوازن القوى
لقد خرج الصراع من الغرف المغلقة إلى الشارع العريض يوم 16 الجاري فتدفقت قوى المجتمع السُّوداني من اطراف المدينة والولايات المجاورة لتعبر عن تأييدها للاصلاح الذي التقى حوله مجموعة الحرية والتغيير الاصلاح والمُكوّن العسكري.
مجموعة المجلس المركزي التي انحاز اليها السّيد رئيس الوزراء عبدالله حمدوك حاولت أن تصور هذا التطور في المشهد بأنه انقلاب أبيض ضد الحُريّة التغيير ليمهد لسيطرة العسكريين على السُّلطة، جناح المجلس المركزي في الحرية والتغيير يستخدم هذه الحجة كفزّاعة لاستعادة تأييد الشارع الشبابي العفوي حتى يمنع الاصلاحات المطلوبة ليظل في السُّلطة.
ثورة ديسمبر المجيدة كانت فعل تراكمي بدأ بمقاومة نظام الانقاذ سياسيّاً وعسكريّاً ودبلوماسيّاً مما أدى إلى اضعافه وانقسامه ودخوله في كثير من الاتفاقات مع المعارضين رغم أنه لم يصل فيها الى التغيير المطلوب ولكن هذه التناقضات اضعفته.
لقد قادت التناقضات والانقسامات في داخل نظام الانقاذ مع تردي الاوضاع الاقتصادية في النهاية إلى هبة ديسمبر التي أدت في 11 أبريل إلى إنهاء حكم الانقاذ باتفاق بين القوى السياسيّة واللجنة الأمنيّة فتح الطريق امام اعتصام القيادة الذي مكّن القوات المُسلحة من الانحياز للشعب.
إنّ الشباب الذي خرج في الثورة خرج بعفويّة يبحث عن مستقبل أفضل ولم يكن مُوالياً لأيٍ من القوى السياسيّة المعارضة التي التحقت بالحراك، هذه المجموعات الشبابيّة التي صعد على اكتافها تجمع الحُريّة والتغيير للسُّلطة اُحبطت بسبب ضعف اداء الحكومة الانتقالية وصراع وانقسامات أطراف الحريّة والتغيير وتجمُّع المهنيين على السُّلطة فانفضت من حوله، وهاجر آلاف الشباب خارج السُّودان بحثاً عن مستقبل لهم، حيث قُدّر العدد بنحو مليون شاب.
هذا التطور أضعف تحالف الحُريّة والتغيير بمكوناته الثلاثة أمام المُكوّن العسكري والشّارع السُّوداني العريض والمجتمع الدولي.
في ظل هذا الاضطراب دخلت على المشهد القوى المجتمعيّة التي يتشكل منها النسيج الاجتماعي للشعب السُّوداني والتي تسميها الصّفوة اليساريّة في الحُريّة والتغيير (القوى الطائفيّة التقليديّة الرجعيّة)، هذه القوى تتشكل من الطرق الصُوفيّة بما فيها الأنصار والختميّة والادارات الأهليّة والعشائر وابنائهم في القوى الحديثة، هذه القوى هي التي تضررت ضرراً كبيراً من ضعف السُّلطة الانتقاليّة وصراع الصّفوة في الخرطوم الذي انعكس عليها انفلاتاً في الأمن وضعف في الخدمات وغياباً لسُلطة الدولة وغلاءاً في المعيشة واهمالاً لاحتياجات الزراعة والانتاج، لذلك هبّت هذه القوى لمناصرة دعوة قوى الاصلاح في الحُريّة التغيير والتي باركها المُكون العسكري لتصحيح المسار من خلال تطبيق روشتة العلاج المعلنة وهي:
1/ الاصطفاف الوطني.
2/ حكومة الكفاءات والخبرات المستقلة.
3/ تحقيق العدالة وتعيين المحكمة الدُستوريّة ورئيس القضاء والنائب العام.
4/ تحقيق أهداف الثّورة بتكملة أجهزة السُّلطة الانتقاليّة بتشكيل المجلس التشريعي وتكوين المُفوضيّات الخمسّة.
5/ حل لجنة ازالة التمكين وانهاء الاستغلال السّياسي الذي أدى الى مزيد من التمكين والظلم.
موازين القوى
إذاً لم تعد موازين القوى لصالح الصفوة التي سيطرت على السُّلطة في الخرطوم باسم الحُريّة والتغيير لأنها الآن تواجه:
أولا: تحالف قوى المجتمع العريض مع جناح الاصلاح في الحُريّة والتغيير ، إلى جانب ذلك فإنّ قوى المجتمع العريض تُسيطر على أهم شريان للاقتصاد وهو ميناء بورتسودان بما فيه خطوط أنابيب البترول، وتدفق جماهير أطراف العاصمة والولايات المجاورة للتظاهر والاعتصام في الخرطوم.
هذا التطور أدى الى تحوّل مهم جداً في السّاحة الدولية لغير صالح مجموعة المجلس المركزي وحليفها السّيد رئيس مجلس الوزراء د. عبدالله حمدوك، إذ أنّ الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت على لسان الناطق الرسمي الاقليمي مساء 17 اكتوبر بأنّها لا تدعم عبدالله حمدوك بل تدعم الشّعب السُّوداني والتحوّل الديمقراطي، واعلنت بصورة واضحة بأنّ مسألة تغيير الحُكومة السُّودانية هو شأن سُوداني.
الموقف الأمريكي سينسحب عليه الموقف الاوروبي والموقف العربي والموقف الأفريقي مما يجعل فرصة المتمسكين بالسُّلطة باستخدام فزاعة الانقلاب الأبيض والاستنصار بالخارج صفريّة.
في النهاية نصيحتي للسّيد رئيس مجلس الوزراء أن يحل حكومته ويشكّل حكومة كفاءات وخبرات مستقلة تقود البلاد الى انتخابات عامة وحرة عاجلة وليست آجلة ويتعاون لتشكيل حاضنة قومية تحقق اصطفاف وطني عريض.
ونصيحتي للمجموعة المصرة على التمسك بالسُّلطة وتحاول جاهدة خداع الشباب مرة اخرى بفزاعة العسكر بأنّها سوف لن تنجح في ظل المعطيات الجديد بدخول القوى المجتمعيّة العريضة وانحسار التأييد الدولي والاقليمي، بل سيؤدي هذا الأمر لصدام شعبي ستكون هي الخاسرة الاولى فيه وعليها أن تقبل بمقاعد المشاركة مع بقية اهل السُّودان بدلاً من أن تخسر كل اوراقها.
والله ولي التوفيق،،،
مبارك المهدي
اكتوبر ٢٠٢١