أحمد يوسف التاي يكتب: أسمعتَ يا حمدوك.. ولكن..

(1)

أقل مايمكن أن يوصف به خطاب حمدوك الأخير بأنه متوازن ولم يغفل التشريح الدقيق للأزمة السياسية الراهنة حيث صوب نحوها بدقة ونَفَذ إلى جوهرها بشكل مباشر وهو الخلافات العميقة بين مكونات الثورة وغياب النضج… خاطب حمدوك الأزمة السياسية وأسبابها وكيفية الخروج منها، وكان في ذلك واضحاً وصريحاً لم يجامل طرفاً على حساب طرف ولم ينحز إلى جهة بقدر ما كان انحيازه لقضية التحول الديمقراطي والدولة المدنية، فمن وجد في نفسه شيئاً من الانحياز لقضية التحول الديمقراطي ومدنية الدولة فليضع يده مع حمدوك وليعنه على هذا الحَمل الثقيل، ومن يريد توسيع المشاركة فليضع يده مع حمدوك وليعنه ، ومن يريد حماية الانتقال إلى قيام الانتخابات فليقف مع حمدوك ، كل ذلك من أجل العبور بالبلاد من الأوحال والمستنقعات الآسنة نحو آفاق بناء مؤسسات دولة المؤسسات والقانون وحقوق الإنسان…إذن ما الذي أغفله الخطاب ليستمر التشرذم والصراع بين مكونات الثورة..

(2)

فمن كان همه مدنية الدولة والتحول الديمقراطي وكان صادقاً في ذلك فقد أصاب حظاً موفوراً من الخطاب ووجد الضمانات، فما حجته بعد هذا؟ ومن كان همه توسيع قاعدة المشاركة بصدق وجد أيضاً في الخطاب نصيباً وكذا الضمانات، فبم يتحجج بعد الآن ؟ ومن كان يحمل بعض التحفظات على عدالة عمل لجنة التفكيك وجد في الخطاب ما يطمئن بالمراجعة وحق الاستئناف، ومن كان يصبو إلى جيش قومي حديث وظيفته تأمين الحدود وحفظ أمن البلاد واستقرارها وجد ذلك كله في الخطاب… ومن كان همه الانفراد بالقرارات والسلطة واستغلالها في الصراع والتسلط على رقاب الناس ، ومن كان لعابه يسيل للانقلاب على السلطة، كلو هؤلاء وجدوا أيضاً رادعاً وكابحاً وفصل القول في الخطاب… وكل من هو فاقد للبوصلة لا يدري ولايعرف كيف تُدار الدول، وكيف تُدار الخلافات والأزمات فقد وجد في الخطاب البوصلة والإرشاد…لكن…

(3)

لكن للأسف الشديد أن أطراف الأزمة السياسية لم يفقهوا شيئاً مما قاله حمدوك ولن يفقهوا ولن يعملوا بتوجيهاته التي حواها خطاب خارطة الطريق ولن يستمعوا ولن يتبعوا الهدى، لأن في آذانهم وقرٌ وفي قلوبهم أكنةٌ، ولأنهم في غي الصراع والإستقطاب سادرون، فهؤلاء لا يعرفون إلا لغة الحشود والحشود المضادة، والاستقطاب والاصطفاف خلف أجندات الانتصار للذات والمصالح الشخصية والمنافع الذاتية بعيداً عن هموم الوطن وآلام الشعب المطحون…فأنظروا إلى طريقة الحشود المصطنعة والمدفوعة ستعون ما أعني.

(4)

أقول كل شيء كان واضحاً ولا يحتاج إلى فطنة .. فغداة خطاب حمدوك وقبل أن تمضي عليه اربع وعشرين ساعة عادت (حليمة لي قديما).. وانطبق على القوم المثل الشعبي الشهير: (يهدو فيها تصفِّر لغاويها) ـ أي عشيقهاـ وهو مثل يُضرب لمن لا يلقي بالاً للإرشادات والتوجيهات والنصح ، فرأينا دعوة الجيش لاستلام السلطة والاحتماء بالعسكر بصورة انتهازية فهل هذه من أهداف الثورة وشعاراتها، دعوة الجيش لاستلام السلطة وإن كانت مبطنة فهي ردة وانحراف عن مباديء الثورة وأهدافها …

وغداة الخطاب الشامل المتوازن الذي خاطب كل حُجج المتصارعين بحلبة الصراع، رأينا التصعيد والتحشيد والاستقطاب الحاد والتخوين بطرق فيها كثير من الإسفاف والسفه والسطحية والسذاجة والهتافية وكأن شيئاً لم يكن، وغداً سنجد ذات التصعيد والاستقطاب والتخوين من الطرف الآخر، ولا ندري ما الذي سيكون من الطرف الثالث “المكون العسكري” الذي ربما يفاجئنا بانقلاب بصورة أو بأخرى…

(5)

كنتُ أتوقع بعد الخطاب الذي وجد فيه كل طرف ما ظلَّ يتحجج به بما في ذلك أنصار تِرك، كنتُ أتوقع أن تدعو مجموعة “القاعة” إلى إلغاء مسيرة الأمس بعد ما وجدت مطالبها الأساسية بالخطاب، لكن يبدو أن هناك ما هو مختلف عما هو معلن… والشيء نفسه سيفعله الطرف الثاني للسبب ذاته، لأن الجميع له أجندة مختلفة عما هو معلن وإلا لاستجابوا لموجهات رئيس الحكومة وخارطة الطريق التي تلاها على الملأ وأوقفوا التصعيد والاستقطاب الساذج والمواجهات وانتبهوا للكارثة الأمنية التي تأخذ بتلابيب الجميع ، والجوع والمرض والمعاناة والضائقات….اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version