(1)
يذكر الناس الحشد الذي رتب له حزب المؤتمر الوطني المحلول والأحزاب الموالية ومشاركة له في السلطة في الأيام الأخيرة للبشير في الحكم عندما اجتمعوا في الساحة الخضراء قبل أن تصبح ساحة الحرية – وحشدوا الأطفال والموظفين وطلاب الخلاوي الذين نقلتهم العربات الحكومية بعد التحفيز وتوفير الوجبة ووسيلة المواصلات من أجل أن يثبتوا للعالم أن الشعب ما زال يدعم البشير وينصره.
نذكر في ذلك الحشد الذي شاركت فيه أحزاب الحوار الوطني وقتها خطاب حسن إسماعيل وبحر إدريس أبوقردة وحاتم السر الذي خاطب ذلك الحشد المنقول على تلفزيون السودان وأعلن عن انتهاء صفوف الخبز وقطع أن الصف الوحيد الذي يمكن أن يكون موجود في السودان هو صف الصلاة – فعل حاتم السر ذلك مع البشير بالطريقة نفسها التي كان يحمل فيها (حذاء) مولانا محمد عثمان الميرغني عندما كان يؤم المصلين للصلاة.
أمس شاهدنا نفس الحشد بنفس (السيناريو) والوجبات السريعة والحوافز من أجل تفويض (العسكر) – لم يتبدل شيء غير أن حسن إسماعيل وبحر إدريس أبوقردة وحاتم السر أصبحوا صندل والتوم هجو ومبارك الفاضل ومني أركو مناوي وجبريل إبراهيم.
هؤلاء الانتهازيون يريدون أن يضمنوا مقاعدهم مع كل نظام – هم يدركون أن فرصتهم مع (العسكر) .. لأن أحزابهم لفظتهم ولأنهم لا وجود لهم في الشارع إلّا عن طريق الحشود المدفوعة القيمة.
(2)
الفلول الذين خرجوا أمس لم يجدوا الجرأة للإعلان عن أنفسهم والتعبير عن أجندتهم بصورة واضحة – خرجوا وهم يدعون تصحيح مسار الثورة وفي نفس التوقيت الذي كان يخرج فيه الشعب السوداني في كل المدن والشوارع – غير الحشد الذي كان أمس في منطقة واحدة.
نحن لا خلاف لنا في أن الثورة في حاجة للتصحيح – ولكن تصحيح من أجل إبعاد (الفلول) ومن يمثلهم في السلطة من العسكر ومن الشخصيات المدنية الانتهازية.
تصحيح من أجل تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وتمكين (المدنية) وتحقيق الحرية والسلام والعدالة الشعار الذي رفعته ثورة ديسمبر المجيدة وجاءت من أجله.
تصحيح من أجل القصاص للشهداء.
الثورة في حاجة للتصحيح من هذا الرجس الذي نشاهده الآن ويعيق انطلاقتها ويعمل ضد الوطن من أجل خدمة أجندة من أفسدوا في الأرض ومن نهبوا ثروات البلاد وخيراتها – بعضهم في السجن وبعضهم هرب وبعضهم في السلطة الآن.
(3)
الذين ظنوا أنهم بهذا الحشد يمكن أن يفوضوا الجيش من أجل الانفراد بالسلطة نقول لهم إن الجيش ننتظر أن نراه في المهام التي هي من صميم اختصاصاته والتي كوّن وخلق من أجلها.
هناك حركات مسلحة وقوات موازية تقوم بدور الجيش خلقها النظام البائد وأضعف بها القوات المسلحة التي يعمل الحكم المدني من أجل تقويتها وهيكلتها لتعود إلى سيرتها الأولى.
نريد أن نرى (الجيش) في التفلتات الأمنية التي يشهدها الشارع السوداني وفي الاعتداء الذي يقع على المواطنين من بعض أفراد الحركات المسلحة.
هل نجح (الجيش) في تلك المهام التي أوكلت له والمتمثلة في حماية الأرض والمواطنين والدستور والحدود حتى نفوضهم لأن يشغلوا مقاعد (المدنيين) في السلطة والحكم.
أين الجيش من هذه الأحداث التي شهدتها منطقة شرق النيل؟ وتمثلت في إطلاق رصاص، و في مواجهات واشتباكات بين مواطنين وحركة مسلحة.
لجان مقاومة الجريف شرق، كانت قد قالت في بيان لها: (بعد منع موكب الكيزان والفلول المأجور والمدفوع الثمن، وبعد تصويرهم وفضحهم من قبل ثوار الحاج يوسف ولجان مقاومة الجريف شرق، قامت قوات عسكرية بالتعدي على المواطنين والثوار في كوبري الجريف شرق وأطلقت الرصاص الحي).
الجيش ترك مهامه لقوات عسكرية مجهولة وجاء ليزاحم المدنيين في حقهم الدستوري.
قبل أن يبحث (الجيش) عن التفويض عليه أن يحمي (الوثيقة الدستورية) التي أدوا القسم على حمايتها.
اليمين الدستورية تسبق التفويض… قبلوا أن تبحثوا عن (التفويض) المفبرك – التزموا بيمين الوثيقة الدستورية.
لا يعقل أن يكون الشعب ملتزماً بالوثيقة الدستورية أكثر من الجيش.
أدمجوا قوات الدعم السريع أولاً في الجيش إن كنتم تريدون الخير والكرامة للجيش.
(4)
أصحاب المشروع الحضاري الذين كانوا يتحدثون عن الحور العين واللؤلؤ المنثور وجنة عرضها السموات والأرض، أصبحوا يحفزون أنصارهم بسندوتشات الفول والطحنية.
هكذا انتهى بهم المطاف.
المؤتمر الوطني المحلول كان يدفع الشباب والطلاب إلى الحرب ويحفزونهم بجنة عرضها السموات والأرض بينما يتملك قادة الحزب كل الأراضي طولاً وعرضاً .. علي كرتي (99) قطعة أرض ..عبد الرحمن الخضر..عبد الرحيم محمد حسين و ..و .. يستولون على كل المساحات.
يتزوجون مثنى وثلاث ورباع وهم شيوخ للحركة الإسلامية ..ويعدون شباب الحركة بالحور العين.
الذين كانوا يدعون للشهادة ويرفعون شعارات الدين (وما لدنيا قد عملنا) أضحوا يحشدون الناس عن طريق (المال).
لهؤلاء وهؤلاء نقول إذا فشل الفلول وحلفاؤهم من العسكر في الاستيلاء للسلطة والعودة لها عن طريق (الانقلابات العسكرية) – فإن (الطحنية) لن تعيدهم للحكم.
يبحثون عن (التفويض) عن طريق سندوتشات الطحنية والبطاطس.
هؤلاء الذين خرجوا على (المدنية) لا يمثلون الشعب السوداني…هؤلاء يمثلون مصالحهم وأهدافهم الخاصة.
نظام البشير سقط بمليشياته ودباباته وقمعه وبطشه وكتائب ظله هل تظنون أن الحكومة الانتقالية يمكن أن تسقط بـ(البلح)؟
(5)
مواكب ثورة ديسمبر المجيدة لم يحشد لها ولم يخطط – لم يكن هناك مقابل للخروج أو تحفيزات عليها ..لم تكن هناك تسهيلات أو مساعدات…كانت مواكب الشعب تلقائية عند الواحدة بتوقيت الثورة.
كان الذين يخرجون للشارع ينتظرهم الرصاص والبمبان والاعتقال والموت – مع ذلك كانوا يتدافعون للشوارع والساحات بالملايين.
الأم والأب يفقدان ابنهما ويدفعان بشقيقه في الموكب التالي.
محمد هاشم مطر جاء من لندن من أجل أن يشارك مع إخوته في الاعتصام… والدكتور بابكر عبدالحميد كان يحمل سماعته في المواكب التي يشارك فيها.
لم يكونوا ينتظرون كرسياً أو منصباً أو سندوتش طحنية – رفضوا الاستلقاء لأنهم في أرض المعركة.
(6)
بغم /
الذين خرجوا أمس لتفويض العسكر يبدو أنهم لم يفهموا خطاب حمدوك الأخير – رغم وضوحه.
جبريل إبراهيم الذي دخلت قواته لأم درمان بالبندقية يريد أن يكرر نفس (السيناريو)…لا يفهم جبريل أنه أضحى وزيراً لمالية الحكومة التي يعمل ضدها.
صحيفة الانتباهة