خلال الساعات القليلة القادمة، ربما يُعلن عن إنهاء أعمال الحكومة السودانيةالحالية بقيادة د. عبدلله حمدوك في انقلاب على المكون المدني شريك المعادلة السياسية، حيث يتم تعيين حكومة خارج المنظومة الحزبية وتحالف “الحرية والتغيير”، غالبًا ستكون موالية بدرجة مريحة للمكون العسكري في المجلس الانتقالي. التطور المتوقع قد يسبق مظاهرات يتم الترتيب لها حاليًا من جانب تحالف “الحرية والتغيير” الأصل في ذكري ثورة أكتوبر أي21 من الشهر الجاري، في حشد تحت عنوان “مناصرة التطور الديمقراطي”.
الفصل الأخير من مقدمات الانقلاب انطلقت من التراشق السياسي واللفظي، الذي ترتب عن إعلان محاولة انقلاب عسكري فاشل في سبتمبر الماضي، وهو التراشق الذي أسفر عن تعطيل عقد المجلس السيادي، ورفض المكون العسكري أي تفاعل مع المكون المدني تحت هذه المظلة، وأخيرًا مطالبة الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي بتغيير الحكومة، بعد أن تم شيطنة عناصرها، وحاضنتها السياسية تحالف “الحرية والتغيير” باعتبارهم جميعا طالبي سلطة، وليسوا بناة أوطان.
معطيات هذا التطور تبدو مسئوليته مشتركة بين المكونين المدني والعسكري، فعلي الجانب المدني يمكن تمييز عنصرين من المشكلات عانى منهما هذا المكون، العنصر الأول مرتبط بالخبرات السياسية، والعنصر الثانيمرتبط بداء الانقسام السياسي الذي تعاني منه النخب السودانية خصوصا، والنخب ما بعد ثورات الربيع العربي عمومًا.
في السياق الأول يمكن القول إن تحالف “الحرية والتغيير” قد أخطأ أخطاءً كبيرة، منها الاعتماد المطلق على الشارع العفوي غير المنظم ولا المؤطَّر، والذي غالبًا ما يعاني من الإرهاق السريع تحت وقع أزمات اقتصادية، وقد تم الاعتماد على هذا الشارع في مواجهة كيان منظم وله أدوات متعددة وفكر استراتيجي كالمكون العسكري.
في هذا السياق، يمكن القول إن لجنة إزالة التمكين قد عانت من أداء يغلب عليه عدم مراعاة حجم المصالح التي يقومون بتهديدها وطبيعة القوي الاجتماعية التي ورائها، وهم غير مسلحين بأمرين، الأول أدوات ومناهج العدالة الانتقالية التي يمكن أن تجبر الصراعات ولا تؤججها، وثانيًا القوة الصلبة المناصرة لهذا الأداء، حيث وقف المكون العسكري ضد أداء لجنة التمكين، مناصرًا للنظام القديم لاعتبارين، الأول سلامة مؤسسة الدولة ذاتها، والثانيالتعاطف ولو نسبيًا مع مكونات النظام القديم الذي تفاعلوا معه على مدي سنوات.
خلافات وانقسامات، وترهل أسفر عن عن عدم تكوين المجلس التشريعي الذي كان من المفترض أن يقوم طبقًا للوثيقة الدستورية الموقعة بين الطرفين خلال ستة أشهر من أغسطس 2019
أما الخطأ المؤثر الثاني فهو أمرين، انسحاب أحزاب كبرى من تحالف الحرية والتغيير مثل الحزب الشيوعي، وحزب الأمة الذي عاد للتحالف لاحقًا، ثم انخراط تحالف “الحرية والتغيير”- بالمخالفة لعهود قد قطعها على نفسه- في عمليات المحاصصة الحزبية في تولي المناصب الوزارية والولائية؛ وهو ما فتح الباب واسعًا أمام خلافات وانقسامات، وترهل أسفر عن عن عدم تكوين المجلس التشريعي الذي كان من المفترض أن يقوم طبقًا للوثيقة الدستورية الموقعة بين الطرفين خلال ستة أشهر من أغسطس 2019.
وربما يكون الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه رئيس الوزراء نفسه هو تخليه عن ملف السلام بالكلية لصالح المكون العسكري، وهو الأمر الذي فتح إمكانية التحالف بين المكون العسكري والحركات المسلحة لاحقًا، والتي ضمن لها المكون العسكري مصالحها.
في المقابل، هندس المكون العسكري المسرح السياسي السوداني ليكون مستعدًا للتخلص من حكومة الحرية والتغيير، وذلك تحت عنوان: توسيع المشاركة السياسية لكل القوى التي شاركت في الثورة، مستفيدًا في ذلك من قدرته على الهيمنة على القطاع الاقتصادي وعلاقته بالحركات المسلحة، فضلاً عن استفادته المؤكدة من أخطاء المكون المدني الذي تقاربت عناصر منه مع المكون العسكري مثل أحد مكونات تيار البعث القومي، وكذلك اعتماد المكون المدني ولو نسبيًا على الضغوط الدولية على المكون العسكري دون أن يكسب مصداقية سياسية لدي الجهات الدولية، نظرا لانقساماته المتوالية، في وقت يؤكد فيه المكون العسكري باحترافية عالية احترامه للفترة الانتقالية، ودعمه التحول الديمقراطي.
في هذا السياق، تمت الاستفادة من أزمة إقليم شرق السودان لصالح المكون العسكري الذي انحاز له مكون البجا القبلي، بعد أن كان المكون المدني قد عين واليًا من مكون البني عامر، وبالتالي كسب عداء عموديات قبيلة البجا، التي تطالب حاليًا بتغيير حمدوك وحكومته.
كما تمت الاستفادة من الاستثمار الخاطيء من جانب تحالف الحرية والتغيير لحدث الانقلاب العسكري الفاشل، من حيث تصعيد التوتر مع المكون العسكري في المجلس السيادي، وهو ما ترتب عليه سحب الحماية الأمنية من مقر لجنة إزالة التمكين، و22 موقعا آخر كانت اللجنة قد سيطرت عليها من عناصر النظام القديم، وكذلك اتخاذ قرار عدم الاجتماع مع المكون المدني، ثم منع سفر محمد الفكي عضو في المجلس السيادي، ود. صلاح مناع رئيس لجنة إزالة التمكين وهو المنع الذي تم نفيه بعد ذلك.
تمت بلورة انحياز سياسي سافر للمكون العسكري من جانب قطاع في “الحرية والتغيير” انسحب من التحالف قبل عشرة أيام تحت مسمى إصلاح “الحرية والتغيير” وطالب بتغيير الحكومة
في هذا السياق، تمت بلورة انحياز سياسي سافر للمكون العسكري من جانب قطاع في “الحرية والتغيير” انسحب من التحالف قبل عشرة أيام تحت مسمى إصلاح “الحرية والتغيير”، وطالب بتغيير الحكومة، وهو المكون الذي يضم وزير المالية الحالي جبريل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة الدرافورية، ومنى أركو مناوي حاكم إقليم دارفور.
وقد هيّأ المكون العسكري السياق الإقليمي الإفريقي لخطواته القادمة في تغيير الحكومة، حيث اجتمع رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان قبيل ساعات مع ممثل الاتحاد الإفريقي، وسفراء المجموعة الإفريقية بالخرطوم لشرح المشهد السياسي المأزوم في السودان.
طبقًا لهذه التطورات ضمن المكون العسكري قاعدة مناصرة له، يمكن الاعتماد عليها في أية تحركات سياسية له في إزاحة الحكومة الحالية، ليتم تصنيف هذه الإزاحة في خانة الإصلاح وليس الانقلاب، بما يعني عجز المجتمع الدولي وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية عن اتخاذ إجراءات عقابية محددة مضادة للمكون العسكري، حيث لا شبهات لانقلاب عسكري صريح، بينما يخسر تحالف الحرية والتغيير موقعه كفاعل في المعادلة السياسية السودانية.
في حالة تغيير الحكومة المتوقع يكون الخيار الوحيد أمام “الحرية والتغيير” هو التحول لخيار المعارضة الصريحة والشاملة للمكون العسكري، والحكومة القادمة، وهو خيار سيكون مضمون المكاسب في حالة واحدة فقط، هي انحياز الشارع السوداني لأحزاب ومكونات “الحرية والتغيير” الأصل بقوة، وبشكل يكون مؤثرًا على موازين القوي الحالية، وهي حالة رهن الاختبار.
*أماني الطويل، خبير الشئون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
– نقلا عن موقع مصر360
صحيفة اليوم التالي