إليكم …. الطاهر ساتي
:: ليس هناك ما يمنع الناس عن رفض أو قبول اتفاق السلام مع إسرائيل، فالمرحلة التي نعيشها مرحلة الحُرية، وفيها حُرية التعبير في كل القضايا والمواقف (حق عام).. ولكن وزارة الخارجية ليست من عامة الناس، بحيث يكون لها حق الرفض أو القبول، بل هي مُلزمة بتنفيذ سياسات الدولة، ومُلزمة برسم العلاقات البلاد الخارجية بما يُحقق مصالح الشعب…!!
:: ولكن يبدو أن وزارة الخارجية، بأمر وزيرتها مريم الصادق، تحولت إلى إحدى أمانات حزب الأمة، ولذلك تُغرّد خارج سرب الدولة وتخالف سياسات الدولة تجاه إسرائيل.. وبالمناسبة، من الحقائق التاريخية التي يجب أن يعرفها جيل الثورة، في يونيو 1954، أرسل حزب الأمّة وفداً إلى لندن بحثاً عن الدّعم البريطاني لاستقلال السودان، وهناك أوعزت المخابرات البريطانيّة لوفد حزب الأمّة بأن يطلب المساعدة من إسرائيل..!!
:: وفي 17 يونيو 1954، اجتمع الوفد الذي ضمّ السيد الصديق المهدي ومحمد أحمد عمر نائب الأمين العام لحزب الأمّة، مع مسؤولين إسرائيليين، وناقشوا القضية، ثم اتفقوا على أن تتواصل الاجتماعات، وأن يكون محمد أحمد عمر رجل الاتصال الدائم بين حزب الأمة وإسرائيل.. وهكذا يوثق التاريخ بأن علاقة حزب الأمة بإسرائيل أقدم من عُمر استقلال بلادنا، وأنها علاقة سابقة لعلاقات كل دول التطبيع..!!
:: ومع ذلك يتطرف حزب الأمة في العداء لإسرائيل.. وهذا ليس مهماً، فليس هناك ما يمنع تطرفه، ولكن ما يجب رفضه هو أن تحل مواقف حزب الأمة محل الدولة في كل القضايا، بما فيها قضية السلام والتطبيع مع إسرائيل.. وعلى سبيل المثال، التقى وزير العدل نصر الدين عبد الباري بالمسؤولين إسرائليين، وقابلت الخارجية هذا اللقاء ببيان غريب مفاده (عدم مسؤوليتها عن أي مباحثات خارجية خارج السياسة الرسمية للدولة)، أو كما قال البيان..!!
:: فالسياسة الرسمية للدولة واضحة.. لقد وقع السودان – رسمياً – مع أمريكا على اتفاقيات أبراهام للتطبيع مع إسرائيل، وهناك أيضاً إعلان السلام مع اسرائيل، وحفل التوقيع مسألة وقت.. أي ليس هناك أي خلاف – في الجهازين السيادي والتنفيذي – حول القضايا الاستراتيجية، والتي منها العلاقات الخارجية، والتي يتم تأسيسها بما تحقق مصالح البلاد وليس أجندة أحزاب..!!
:: ومحادثة أكتوبر 2020، المسماة بالرُّباعية، والتي سبقت إعلان السلام مع إسرائيل، هي في الأصل كانت (ثنائية).. البرهان وحمدوك كانا طرفاً سودانياً، وترمب ونتنياهو كانا طرفاً آخر.. ومنذ رحلة أوغندا – التي كسر بها البرهان حواجز الخوف والوهم – ليس هناك خلاف في مطابخ القرار حول السلام والتطبيع مع إسرائيل.. فالإرادة على المستوى القيادي مُوحدة، ونأمل أن تتوحد معها إرادة وزارة الخارجية، بحيث لا تكون (شتراء) في بياناتها..!!
:: ومن غرائب بيان الخارجية الرافض تلميحاً لقاء عبد الباري بمسؤوليين إسرائيليين، ما يلي: (إننا ندرك تعقيدات الوضع الانتقالي، كما أننا نعتقد بأنّه لا سبيل للتغلب على التحديات الماثلة إلا عبر الالتزام بالوثيقة الدستورية، وانتهاج المؤسسية والحوكمة والشفافية في إدارة الشأن الداخلي والخارجي)، وهذا تضليل للرأي العام.. فالسلام مع إسرائيل غير مخالف للوثيقة الدستورية التي تلوح بها خارجية مريم..!!
:: والشاهد، بكل نصوص الوثيقة الدستورية، فالحكومة هي المفوضة بإدارة العلاقات الخارجية بما تحقق (مصالح الشعب)، وكذلك مفوضة بحماية البلاد من (مخاطر العدوان)، ولا يوجد بالوثيقة من النصوص ما يمنع السلام مع إسرائيل.. ربما هناك وثيقة أخرى، صاغها إبراهيم الأمين وأجازها الواثق البرير، لتعمل بها مريم في السودان وحماس في قطاع غزة..!!
صحيفة اليوم التالي