للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
* جزى الله عنا مولانا مبارك محمود (النائب العام المكلف) كل خيرٍ، لأنه استجاب لصوت الضمير والحق والعدالة، وكوّن لجنةً لمراجعة أوضاع الحراسات، ووجّه وكلاء النيابات المسؤولين عنها بتنفيذ القانون بحذافيره، بعد أن تحدث معهم عن العدل كقيمة سماوية وإنسانية سامية، وشدد على ضرورة العمل لترسيخ أسسها بمهنية كاملة.
* التوجيه المذكور ليس غريباً على مولانا مبارك، الذي أفنى زهرة حياته في خدمة العدالة، وتدرج في سلك النيابة حتى تسنّم قيادتها، وأمسك بزمام أمرها بيدٍ بيضاء، لم تعرف الظلم ولا الفساد.
* ذكرت لزميلي وصديقي عادل الباز أن لجنة إزالة التمكين ارتكبت أكبر أخطائها وأكثرها فداحةً عندما لاحقت الزميل الصديق عطاف عبد الوهاب، وتسببت في حبسه داخل حراسات قسم التحقيقات الجنائية بالخرطوم بحري، بأمر من نيابة إزالة التمكين، التي تحتاج مراجعةً سريعةً للنهج الذي تعمل به، إذ لم نستوعب حتى اللحظة الكيفية التي حبست بها صحافياً أعزلاً إلا من قلمٍ شجاع، بتهمتين تصل عقوبتهما إلى الإعدام.
* يمثّل اتهام صحافي بتقويض النظام الدستوري وإثارة الحرب ضد الدولة أسوأ أنواع التعسف في تطبيق القانون، سيما وأن من واجه تهماً ظالمةً أدت إلى حبسه في حراسة قذرة أكثر من أسبوعين لم يحمل سلاحاً في حياته، ولم يستخدم إلا قلمه.
* حتى مشاركة مدنيين في عملية توقيف عطاف وتهديدهم له ينبغي التحقيق فيها، ومساءلة المتورطين فيها، ومعرفة الكيفية التي سمحت بها الشرطة لمن لا يمتلكون أي صفة قانونية بتهديد صحافي أعزل.
* الحقائق الصادمة التي كشفها عطاف عن ظروف الاحتجاز القاسية لبعض المقبوض عليهم تستدعي من كل منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان أن تهب للدفاع عن الحريات العامة من انتهاكاتٍ جسيمة، وتعدياتٍ قبيحةً، يريد مرتكبوها أن يعيدونا إلى عهود الكبت وتطويع القانون لإرهاب المنتقدين والتشفي من الخصوم.
* لم نتوقع في أسوأ كوابيسنا أن تتكرر تلك الفظائع في عهد ثورة الحرية والديمقراطية والسلام والعدالة.
* تمثل تلك التجاوزات انقلاباً خطيراً على كل شعارات الثورة ومبادئها السامية، وهي جسيمة بما يكفي لاستنكارها ومحاسبة مرتكبيها، وملاحقتهم بالقانون الذي ازدروه.
* نطالب الشرفاء من أهل مهنة القانون أن يتصدوا لها، وأن يرصدوا تفاصيلها المريعة، وملابساتها الصادمة، سيما بعد أن تمددت أقاويل وإفادات خطيرة، تتحدث عن حالات اعتقال امتدت شهوراً بلا سند من القانون، وعن تعرض بعض المتهمين إلى الإهانة والتهديد والابتزاز.
* استمعنا خلال الأيام الماضية إلى إفادات يشيب لهولها الولدان حول ما حدث لبعض المتهمين، ممن يخشون على أنفسهم من تكرار البطش بهم، ونطالب النائب العام أن يكوّن لجنة للتحقيق فيها، وأن يخضع أصحابها إلى برنامج حماية الشهود، كي يعرف حقيقة ما حدث، ويتمكن من ملاحقة المتجاوزين بالقانون.
* لسنا في غابة، يأكل فيها القوي الضعيف.
* نعيش في عهد ثورةٍ عاتية اندلعت في الأصل حرباً على الظلم والفساد والطغيان، وسعى شبابها الأماجد إلى حراسة أسس العدالة بدمائهم الزكية، وقدموا أروع التضحيات كي يغيروا مستقبل بلادهم وأهلهم إلى الأفضل.
* ليس مقبولاً أن يتم انتهاك حقوق المتهمين، ولا أن يتم توظيف القانون وتسخير منصاته للتشفي والانتقام والابتزاز على حساب دماء الشهداء وتضحياتهم الجسيمة.
* كذلك نطالب النائب العام المبجل أن يفتح تحقيقاً حول واقعة اعتقال عدد من المتهمين وتعذيبهم في منتجع الأسكلا السياحي، بعد أن كشفت صحيفة (اليوم التالي) عن بلاغات تم شطب بعضها وتخفيف التهم الموجهة للمتهمين في بعضها، على الرغم من أن الشرطة عثرت على أسلحة داخل المنتجع، بينما أدلى بعض المتهمين بإفادات بالغة الخطورة حول حقيقة ما حدث داخل الأسكلا من انتهاكات للقانون وحقوق الإنسان.
* ينبغي أن لا يتم السماح للمتورطين في تلك الواقعة وغيرها بالإفلات من العقاب، وأن يتم تقديمهم إلى قضاء السودان العادل المنصف كي يقول كلمته فيهم، ويجعلهم عبرةً لكل من تسول له نفسه توظيف سلطته لإيذاء الآخرين.
* أعداء الثورة الحقيقيون هم من ينتهكون قواعد العدالة، ويزدرون وثيقة الحريات والحقوق الواردة في صلب الوثيقة الدستورية، التي لم تترك حقاً للمتهمين إلا حرسته وصانته، ومن يتجاوزونها يشيعون الظلم في الطرقات، ويعيدوننا إلى عهود الظلم والكبت والإرهاب.. وهيهات.
صحيفة اليوم التالي