إليكم ………………… الطاهر ساتي
:: 3 أبريل 2013، عندما تم تغليف المحسوبية والتمكين بالمسمى (الاستبقاء)، كتبت الكثير من المقالات الناقدة والرافضة لهذا الاستبقاء، وكثيراً ما تساءلت عن جدوى الشاب المؤهل في بلاد دورة حياتها محنطة بعقود المحسوبية والتمكين المسماة بالاستبقاء على مستوى الخدمة المدنية، قلت فيما قلت لا قيمة لتعليم الشباب وتدريبهم وتأهليهم في ظل هذا الوضع المكبل بعقود الأنانية والتمكين..!!
:: ولأن التمكين والمحسوبية، تحت غطاء الاستبقاء، من أخطر وأقبح عادات وتقاليد النظام المخلوع، تفاجأ قسم الأخبار – بالصحيفة – بخطاب يحمل توقيع وزير شؤون الرئاسة بمجلس الوزراء خالد عمر، بحيث بها يوجه وزارة الحُكم الاتحادي باستبقاء أحمد السماني بالخدمة، بعد أن بلغ سن المعاش، وذلك حسب توصية وزيرة الخارجية مريم الصادق، أو هكذا كان أحد أهم أخبار الأمس..!!
:: وأحمد السماني الذي توصي بالاستبقاء عليه وزيرة الخارجية، ثم يوجه بالاستبقاء عليه الوزير برئاسة مجلس الوزراء، هذا السماني ليس من عُلماء الذرة، وليس من خُبراء التكنلوجيا، بل هو إداري بمحلية الخرطوم.. واستنكر تجمع المهنيين بالخرطوم هذا الاستبقاء، ووصف تدخل وزيرة الخارجية في الشأن المحلي للخرطوم بغير المقبول وتجاوز للصلاحيات.. وصدقاً، ما علاقة وزارة الخارجية بالمحليات..؟؟
:: المهم.. قبل توضيح مخاطر الاستبقاء، لا يزال قرار رفع سن المعاش إلى (65 عاماً) ساريااً، وكان يجب إخضاع القرار الى المعايير المهنية.. هناك معايير علمية واقتصادية بها يتم تحديد (سن التقاعد)، وهذا ما لم يحدث حين تم رفع سن التقاعد من (60 سنة) إلى (65 سنة).. نسبة الشباب في السكان معيار، ومعدل النمو الاقتصادي وفرص التوظيف معيار آخر، والثقافة الغذائية وتأثيراتها الصحية معيار ثالث.. وهكذا.. هناك معايير، يجب الرجوع إليها..!!
:: فالتعداد السكاني الأخير أشار إلى أن نسبة الشباب هي الأعلى، وهذه نعمة.. فالطاقات الشبابية كنوز تفتقدها الدول ذات معدل النمو السكاني الضعيف.. ولكن في بلادنا، رغم أنف النمو المتواصل لنسبة الشباب، تم رفع سن المعاش إلى (65 سنة).. وكذلك اقتصاد البلد (مأزوم)، نسب التضخم عالية مع تقزم نسب النمو، وهذا يعني أن مساحة توظيف الشباب (ضيقة).. أما الثقافة الغذائية وتأثيراتها الصحية، فحدث ولا حرج.. فكل المعايير تقف ضد رفع سن التقاعد..!!
:: ومع ذلك، لا يزال الاستبقاء الانتقائي – المحمي بالقانون واللوائح – سارياً، كما يوضح توجيه خالد وتوصية مريم.. نعم، هناك مصلحة عامة يجب أن تستبقي ذوي المهن والتخصصات النادرة في مناصبهم، كالأطباء وأساتذة الجامعات وعلماء البحوث، فالناس بحاجة إلى عطاء وخبرات هذه الفئة ذات الكفاءة النادرة، ولكن ليس عدلاً أن يستغل البعض الاستبقاء في مواقع أخرى غير الجامعات والمشافي ومراكز البحوث..!!
:: ثم إن استبقاء كفاءة نادرة – لفترة زمنية محددة – بعد سن المعاش حالة استثنائية، ولكن الأصل الأعوج هو ما يحدث في دهاليز الكثير من الوحدات الحكومية، بحيث يتم استبقاء أحد الأفندية، ودائماً ما يكون من أهل الولاء السياسي وليس الكفاءة النادرة، بحيث يستبقونه عاماً تلو الآخر حتى يتجاوز (سن الزهايمر).. ويكون هناك على رصيف البؤس واليأس رهطاً من الشياب ينتظرون السراب أو (ركوب السُنمبك)..!!
صحيفة اليوم التالي