قبل سنوات؛ حاصرت إسرائيل القائد ياسر عرفات “أبوعمار” في مكتبه ومنعته الخروج، قامت الدنيا ولم تقعد، المظاهرات في العواصم العربية، وإدانات ومناشدات للأمم المتحدة بالتدخل.. فكتب أحد المعلقين (نجحت إسرائيل بتحويل القضية العربية من تحرير القدس إلى تحرير أبوعمار).
تذكرت هذه الواقعة عندما صدرت نداءات للثوار أن يهبوا لحماية لجنة التمكين بعد القرار المفاجيء بسحب القوات المشتركة من مقرها الرئيسي وبعض المواقع المستردة.. وبدلاً من أن تدور المعركة حول حماية الديموقراطية و(الانتقال!) تحولت إلى معركة لحماية مقر لجنة إزالة التمكين!! قصة ياسر عرفات نفسها.
لو – ولو تفتح باب الشيطان- لو كان هناك مجلس تشريعي لتحولت إحداثيات المعركة وتغير وجهها بالكامل.. فالمجلس التشريعي ” البرلمان” حتى ولو كان بالتعيين لكنه أعلى سلطة في الدولة.. سلطة الشعب فوق كل سلطة أخرى.. وفي يده القلم الذي يستطيع أن يصدر التشريعات والقرارات التي قد تصل مرحلة إلغاء الوثيقة الدستورية نفسها.. قرارات شرعية تستمد قوتها من كونها المؤسسة التي تمثل الجمعية العمومية للشعب السوداني..
وأقول لتغير إحداثيات المعركة لأن قرارات المجلس التشريعي تنال شرعية دولية أممية .. وتجعل كل من يقف ضدها في مواجهة مع العالم كله، وليس الشعب السوداني وحده.. فبعد انتصار الثورة لم يعد السودان دولة معزولة قابلة للأهواء والأعاصير والأمزجة المتقلبة.. وكل الذي يريده المجتمع الدولي أن يرى دولة مسنودة بمؤسسات لا أفراد.. دولة كاملة القوام والمواصفات..
لكن الوضع الراهن فيه خلل كبير وخطير، وبكل صراحة نحن الآن نصف دولة، فالدول تقاس بقوامها المؤسسي لا بهتافاتها وشعاراتها.. فالنظام البائد سقط قبل أكثر من سنتين وبكل أسف حتى المؤسسات التي كانت موجودة في العهد البائد لم تعد موجودة الآن.. لا برلمان ولا محكمة دستورية ولا مجلس القضاء العالي ولا مجلس النيابة الأعلى ولا رئيس القضاء ولا النائب العام.. مثل هذا الوضع يجعل العالم – بكل حماسه لدعمنا- متشككاً في رشدنا المؤسسي.
لو كان هناك مجلس تشريعي لدارات المعركة في موقع آخر… سيتولى رئيس المجلس التشريعي المواجهة ممثلاً شرعياً للجمعية العمومية الشعبية السودانية.. لكن تحويل المعركة إلى مواجهة حول “لجنة” مهما كانت ومهما علا صوتها واسمها يجعلها معركة في ميدان صغير بأبعاد محلية..
لماذا لا يصدر نداء – جديد- للثوار للاعتصام بمقر المجلس التشريعي لإرغام شركاء الحكم على تشكيله ليتولى مهامه بسرعة ويخرج البلاد من “شكلة السيادي” التي تكاد تعصف بالاستقرار السياسي في بلادنا..
لماذا لا يذهب الثوار بالحماس ذاته ويجتمعوا في قاعة البرلمان بمدينة أم درمان بالهتافات المدوية ذاتها ليفرضوا إكمال مؤسسات الدولة..
الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء كان صريحاً مع الشعب وقالها بدون تردد (لا توجد إرادة سياسية لتشكيل المجلس التشريعي) ودعا الشعب لاستخدام أدوات الضغط السلمية لفرض إرادة الشعب..
لابد من نقل المعركة الى مكانها الصحيح..
صحيفة السوداني