استمعت لعدد من الزملاء المفصولين بوكالة السودان للأنباء، ولمصادر في لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، ولأطراف محايدة داخل الوكالة، ولآخرين موالين للثورة، وكل ذلك بحثاً عن مدى عدالة القرار الذي اعتمدته لجنة التفكيك في 11 سبتمبر الحالي، بإنهاء خدمة (79) من العاملين بالوكالة، من بينهم زملاء، جمعتنا بهم المهنة لسنوات.
قناعة تامة توصلت لها، بأهمية مراجعة القرار مراجعة كلية، وليس فردية، لجملة من الأسباب ألخصها في الآتي:
أولاً، يبدو أن لجنة التفكيك، وقعت ضحية لتقارير ومعلومات من أشخاص داخل الوكالة، ربما لم يتحلوا بالأمانة الكافية، وجنحوا إلى تصفية خصومات قديمة وحديثة مع بعض- وليس كل- المفصولين، كما أن هناك رغبة من آخرين في الترقي، استغلوا ذريعة التفكيك، لإزاحة من هم أعلى درجة منهم، لتعبيد طريقهم نحو الهدف.
ثانياً، لم تعتمد اللجنة المعايير الموضوعة من قبلها في عملية إنهاء خدمة الموظفين في الدولة، وهي معايير ليس من بينها الانتماء لحزب المؤتمر الوطني المحظور، كما أكد على ذلك رئيس وأعضاء لجنة التفكيك، الذين أعلنوا صراحة أن المعايير تنحصر في إعاقة الموظف للتحول الديمقراطي، أو ترقيه على حساب الغير بإجراءات مخالفة لقانون الخدمة وللوائح، أو انضمام الموظف للمؤسسات الأمنية للنظام البائد، أو أن تعيينه تم على أساس الولاء، لا على أساس التأهيل والكفاءة.
بعض الزملاء لم تتوفر فيهم تلك الشروط، مثل الزميل المحترم محمد عثمان آدم، الذي يقر له الجميع بالكفاءة التحريرية، والنشاط اليومي، وامتلاك ناصية عدد من اللغات الأجنبية، كما أنه لم يعمل على إعاقة العمل داخل الوكالة، كما فعل آخرون، كما يشهد له إنتاجه في العامين الأخيرين، وربما يقر بذلك مدير الوكالة الحالي، الأستاذ محمد عبد الحميد، ولو كنت في مكانه، لتمسكت بمحمد عثمان آدم مهما كانت انتماءاته.
رابعاً، القرار اتخذ بقسوة شديدة، فقائمة المفصولين ضمت في حالات عديدة، فصل زوج وزوجته، وهو أمر غير إنساني، وتتضرر منه أسر عندها أطفال في مرحلة الدراسة، كما ضمت قائمة المفصولين حالة لواحد مريض بفشل كلوي، يحتاج إلى المال للعلاج، كذلك ضمت القائمة موظفين في درجات عمالية بسيطة، لا يمكن تصور إعاقتهم للعمل بالوكالة، وربما يكون هناك آخرون في موقف إنساني، لم أتمكن من الحديث إليهم .
خامساً، هناك مفصولون تبقت لهم أشهر معدودة للوصول لسن المعاش، بما يعني أنهم سيتركون الخدمة قريباً، قبل أن تصدر لجنة التفكيك إجراء بشأنهم، وليس من العدل حرمانهم من مستحقاتهم المعاشية، لا سيما وأن فرص حصولهم على وظيفة جديدة ستضيق لعامل السن.
لكل هذه الأسباب، أرى من الضروري إعادة النظر كلياً في القرارات الخاصة بوكالة السودان للأنباء، والتأسيس لآلية جديدة للمراجعة، تكون حريصة على التقصي الدقيق، وإصدار قرارات عادلة، تراعي في الوقت نفسه الظروف الإنسانية لكل حالة، ولو فعلت اللجنة ذلك، ستؤكد وفاءها بالتزاماتها السابقة بمعالجة أي أخطاء في وتصحيحها بالسرعة المطلوبة.
في حالة عدم إلغاء القرارات كلياً، فعلى لجنة تفكيك نظام الثلاثيين من يونيو الإسراع في النظر في الاستئنافات التي تقدم بها المفصولون، لإصلاح ما يمكن إصلاحه، ورفع الظلم عن كل مظلوم.
ويقودنا ذلك أيضاً إلى الطلب من مجلس السيادة عسكريين ومدنيين التوافق، اليوم قبل الغد، على تكوين لجنة استئنافات قرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثيين من يونيو، كهيئة منصوص عليها في القانون، لا سيما وأن تلك الخطوة ستفتح طريق الطعن والاستئناف بمراحلة المختلفة، وصولاً للقضاء بمستويات التقاضي المختلفة، ونقول للسادة أعضاء مجلس السيادة، إن تجاهل إعادة تشكيل اللجنة، هو قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد للعدالة، وإحياء لسنة الظلم التي يجب أن تندثر بزوال النظام البائد.
أخيراً:
ساءني عدم تعليق الأجسام الصحفية على قرارات إنهاء الخدمة لصحفيين بوكالة السودان، أو التدقيق في صحة عمليات الفصل، فذلك أوجب واجباتها الأخلاقية تجاه الزملاء.
عبد الحميد عوض
صحيفة السوداني