قناة امريكية : “رفع الحماية” عن “لجنة التفكيك” السودانية.. “خطوة للوراء” أم معالجة “مخالفات”؟

بعد أيام من الإعلان عن محاولة انقلابية جديدة فاشلة، هي الثالثة في السودان خلال عامين تقريبا، خرجت أنباء عن “سحب” السلطات العسكرية السودانية، الأحد، الحماية عن مقر “لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة” التي تقوم بملاحقة مسؤولي النظام السابق، ومنهم قادة عسكريون حاليون.

وبعد القرار، دعت اللجنة، في مؤتمر صحفي، تعالت فيه هتافات ضد “العسكر”، إلى “حماية الثورة”، كما طالب تجمع المهنيين السودانيين، بفك الشراكة مع المكون العسكري، فيما دعت قوى الحرية والتغيير الجماهير للخروج إلى الشوارع.

تجربة الشراكة أثبتت فشلها كصيغة للحكم ويجب وقف الحديث عن إصلاحها أو إعادة إنتاجها.

ويبدو أن التصعيد الدائر منذ المحاولة الانقلابية الأخيرة بين المكونين المدني والعسكري في الحكم الانتقالي ما بعد ثورة ، “انتقل من المنابر الإعلامية إلى حيز التنفيذ على الأرض”، بحسب ما عبر عنه القيادي في قوى الحرية والتغيير نور الدين بابكر لموقع “الحرة”.

وقال بابكر إن السلطات العسكرية قامت بسحب القوات التي تؤمن المؤسسات التي تتبع للنظام السابق ومنها شركات ومشاريع وأراضي ومناطق سكنية وزراعية تمت مصادرتها من قبل اللجنة ويجري تسليمها لوزارة المالية.
وأضاف بابكر: “بدلا من أن تكون المحاولة الانقلابية فرصة لتوحد الجميع سواء العسكريين والمدنيين ضد النظام السابق، حدث العكس… وزادت الفجوة بين الجانبين بعد اتهام المكون العسكري للحكومة بأن فشلها في الاستجابة لمطالب الناس هو الذي أدى إلى هذه المحاولة الانقلابية، بالرغم من أن المشاركين في الانقلاب هم من العسكريين”.

لكن الباحث والمحلل السياسي السوداني، محيي الدين محمد محيي، يدافع عن وجهة نظر المكون العسكري، مشيرا إلى أن “المحاولة هي شكل من أشكال الاحتجاج داخل المؤسسة العسكرية على ما آلت إليه الظروف الاقتصادية التي أثرت على القوات المسلحة”.

وأضاف أن “الجيش واجه مشكلة في أنه يوفر العيش الكريم للعسكريين، فكانت الظروف الاقتصادية للعسكريين واحدة من الأسباب التي أدت إلى هذه المحاولة، فضلا عن أن الجيش تعرض لحملات تشويه من المكون المدني مثل اتهامه بأن عملية استعادة الأراضي في الفشقة من سيطرة ميليشيات إثيوبية هي بمثابة حرب بالوكالة نيابة عن مصر، وهو ما أغضب العسكريين”.

ويدفع تدهور العلاقات بين الجانبين الانتقال الهش للحكم المدني الديمقراطي إلى أخطر وضع له منذ الإطاحة بالرئيس السابق، عمر البشير، قبل عامين.

وتبادل الشركاء العسكريون والمدنيون في الفترة الانتقالية انتقادات لاذعة في أعقاب محاولة الانقلاب التي قام بها جنود موالون للبشير، يوم الثلاثاء الماضي. واتهم القادة العسكريون الساسة بانتقاد القوات المسلحة والفشل في الحكم بشكل صحيح، في حين اتهم مسؤولون مدنيون الجيش بالتحريض من أجل الاستيلاء على السلطة.

وقال أعضاء “لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة” يوم الأحد، إنهم أُبلغوا في الصباح بأن الجيش سحب حمايته من مقر اللجنة و22 من أصولها. وأضافوا أنه تم استبدال الجنود بأفراد شرطة.

سحب القوات
وبعيدا عن الخلاف، يصف بابكر سلوك الجهات العسكرية والأمنية بسحب القوات التي تؤمن المباني التي تمت مصادرتها من رموز النظام السابق، بأنه “غير مسؤول وردة للخلف”، مضيفا أن “مهمة هذه الأجهزة يجب أن تكون حماية الانتقال الديمقراطي خاصة أن هذه اللجنة هي المختصة بتفكيك النظام السابق وإضعافه ومنع عودته”.

لكن محيي يقول إن إجراء الجيش بسحب القوات جاء بعد الكثير من “المخالفات” وبعد أن بات ينظر إلى اللجنة بأنها “حادت عن أهدافها وأصبحت واحدة من أدوات التشفي والتمكين السياسي وهو ضمن ما قامت ضده الثورة”.

ويقول: “بهذا القرار، القوات المسلحة تقول إن علاقتنا بهذه اللجنة قد توقفت الآن، وبالتالي كل الإجراءات التي تتخذها لا تمثلنا”.

وأضاف: “قامت اللجنة أمس، بإقالة 17 قاض بدرجات مختلفة. الآن نادي القضاة أصدر بيانا بتعليق العمل في المحاكم، وهو ما قد يفتح الباب لمؤسسات وأجهزة مختلفة لتعطل عملها أيضا”.

وأشار إلى أن “البعض طالب بحل لجنة التمكين، بعد الكثير من القرارات مثل إقالة الكثير من الموظفين في الدولة، وهو ما أدى إلى النظر لقراراتها بأنها تستهدف هذا المكون أو ذاك وأن أداءها وعملها شكل من أشكال الاستقطاب السياسي، فضلا عن أن اللجنة أصبح لها معتقلات خاصة وصارت تعتقل الناس، وهو ما أثار شكوك حول حرية الرأي والتعبير”.

وقبل أيام، دعا رئيس اللجنة، محمد الفكي سليمان، إلى تظاهرات قرب مركز اللجنة، بعد تصريحات لرئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، قال فيها إنه “لن يجلس مع بعض أعضاء اللجنة أبدا” بحسب مراسل “الحرة” في السودان.

ويقول بعض المطلعين على الشأن الداخلي السوداني إن البرهان كان يقصد الفكي سليمان بهذه التصريحات، وفقا للمراسل، بعد انتقادات سابقة وجهها الفكي للمنظومة العسكرية.

“آخر قطرة دم”
ودعت اللجنة، الأحد، إلى “حماية الثورة” متعهدة بالدفاع عن الشعب السوداني إلى “آخر قطرة دم” وأنها “لن يرتاح لها بال إلا بتفكيك كل مؤسسات النظام القديم”.

وقال رئيس اللجنة، وهو عضو أيضا في مجلس السيادة، في مؤتمر صحفي، إن “مركز اللجنة سيتحول لعملية تجهيز للمواجهة إذا أرادوها”

وكشف بابكر لموقع “الحرة” عن أن اجتماع قوى الحرية والتغيير، الذي عقد مساء الأحد، “دعا لحشد جماهيري، لصد كل محاولات لعودة النظام السابق ومنع الحكم الشمولي، وانتشار لجان المقاومة في الشوارع وتأمين المباني اللي تخلت الأجهزة الأمنية عن تأمينها “وهو ما بدأ فعلا على الأرض”.

لكن محيي حذر من أن تأمين هذه المباني من خلال مدنيين، قد يؤدي إلى اشتباكات “فقد يأتي مدنيون آخرون يهاجمون هؤلاء الناس، وسط حالة من الهشاشة الأمنية”.

“هيكلة الجيش”
ويتفق بابكر ومحيي على أن أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى زيادة الفجوة بين المدنيين والعسكريين هو مطالبة القوى المدنية دائما بإصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية وإعادة هيكلتها.

ويقول بابكر: “المؤسسات العسكرية تحتاج إلى إصلاح لأنه طالها خراب كبير جدا طوال السنوات الماضية لأن فيها جيوب كبيرة للنظام القديم، حتى في قيادات المكون العسكري، وتعمل على توسيع الهوة بين المكونين وبين الشعب والجيش أيضا”.

وقال رئيس اللجنة، محمد الفكي سليمان، في المؤتمر الصحفي إن “الانتقال الديمقراطي رهين بتنظيف كافة المؤسسات المدنية والعسكرية من النظام السابق”.

في المقابل يقول محيي إن هناك تباينات في الموقف بما تسميه قوى الحرية والتغيير “هيكلة الجيش” ينظر إليها في المؤسسة العسكرية “بريبة كبيرة وكأنها مشروع لتفكيك بنية الجيش على النسق اللي حصل في العراق”.

وأضاف أن “استهداف للعسكريين من قبل المدنيين ووصم المؤسسة كلها بأنها تتبع للنظام السابق غير صحيح، وبالتالي الحديث عن هيكلة يراد به تفكيك الجيش في نظر العسكريين وهو ما أدى إلى وجود رأي عام داخل العسكريين ضد المدنيين”.

مصطفى هاشم – واشنطن

صحيفة السوداني

Exit mobile version