للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
* ببزوغ شمس هذا اليوم يُمضي الزميل الصحافي عطاف عبد الوهاب يومه الخامس معتقلاً للرأي في حراسات حكومة الحريات، التي قطعت على نفسها عهداً ثقيلاً بأن تبسط الحق في التعبير، وتصون حرية الصحافة، وتعدّل القوانين المقيدة للحريات، وأن لا تقدم على حبس أي صحافي في (السودان الجديد).
* لم يحمل عطاف بندقيةً لينقض بها على السلطة، ولا قطع طريقاً ليعطل مصالح الناس، ولا شارك في تمردٍ مسلحٍ يتحدى به الحكومة ويروِّع الآمنين، لأن كل ما يمتلكه ينحصر في قلمٍ شجاعٍ، ظل ينافح به عن حرية التعبير حتى على أيام الكبت والإرهاب في العهد البائد.
* أذكر جيداً كيف ظل عطاف يدافع عن المعتقلين السياسيين على أيام الثورة، ويطالب عبر مجموعة أنشأها على تطبيق (واتساب) باسم (صحافسيون) بإطلاق سراح الأستاذ إبراهيم الشيخ وعقيلته (الشيماء) كل صباح، وينشر صورتها أثناء حبسها في معتقلات جهاز الأمن.
* كان جريئاً شجاعاً مقداماً في تلكم المطالبة، وظل يكتب كل يومٍ عن ضرورة بسط الحريات، والكف عن اعتقال المعارضين، ويحرص على ضم قادة حركات الكفاح المسلح لمجموعته التي تضم طيفاً متميزاً من الساسة والمناضلين والصحافيين وقادة الرأي العام.
* بحسب إفادة شهود، فقد تم اقتياد عطاف بواسطة مجموعة مجهولة، من منطقة تقع بالقرب من موقع سكنه بمدينة الكلاكلة، حيث انقطعت أخباره عنا، ولم تدل الحكومة ممثلةً في وزارة الإعلام وبقية مؤسسات الدولة (بما فيها مجلس الصحافة) بأي تصريحٍ أو تعليقٍ يوضح مسببات اعتقال عطاف، أو التهمة الموجهة إليه.
* مارس المسؤولون المنضمون لمجموعة (صحافسيون) التي أنشأها الزميل عطاف صمتاً مخزياً على واقعة الاعتقال، ولم يتكرموا بتوضيح ملابساتها، وإن حفظنا للدكتور جبريل إبراهيم وزير المالية الاتحادية تعهده بالسعي إلى تحرير عطاف من أسره الموجع.
* كذلك نحمِد للمهندس عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني مبادرته باستنكار الاعتقال، ومطالبته بإطلاق سراح عطاف أو إخضاعه إلى محاكمةٍ عادلةٍ، علماً أن الغاية الثانية لا تمنع إطلاق سراح المتهم بالضمانة العادية، مثلما حدث لي عندما مثلت (بمعية الزميل الصديق الطاهر ساتي) أمام نيابة جرائم المعلوماتية قبل أيام من الآن.
* صحيح أننا تعرضنا إلى (جرجرة) جعلت مدة انتظارنا تمتد من الحادية عشرة صباحاً وحتى السادسة مساء، إلا أننا خرجنا في خاتمة المطاف بالضمانة العادية، بعد أن تحدث رئيس نيابة المعلوماتية أمامنا عن سعيه إلى إغلاق سبعين موقعاً إلكترونياً في مقبل الأيام.
* المسؤول نفسه سبق له أن أمر بإغلاق عدد كبير من المواقع الإلكترونية (من بينها موقع صحيفة السوداني) بقرارٍ جائرٍ، ألغته دائرة استئنافية دمغت القرار بمجافاة الوثيقة الدستورية، ومخالفة نصوص وثيقة الحريات والحقوق المدرجة في صلب الوثيقة الدستورية.
* اطلقوا سراح الزميل عطاف، أو أخضعوه إلى محاكمةٍ عادلةٍ إذا اقترف ما يجوِّز إلقاء القبض عليه، ونذكر هنا أن جهةً مجهولةً أقدمت على منع لقاء اجتماعي الطابع، قررت مجموعة أنشأها الزميل المحتجز عقده في أحد الفنادق، من دون التكرم بتوضيح مسببات المنع.
* نُذكِّر الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء بتعهداته القاضية ألا يتعرض أي صحفي في “السودان الجديد” للقمع أو السجن، قد ورد ذلك التصريح على هامش اجتماعات الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وبعد أن وقَّع د. حمدوك على انضمام السودان للتعهد العالمي للدفاع عن حرية الإعلام.
* من المؤسف أن لا يثير اعتقال الصحافيين أية ردود أفعال على المستوى الرسمي، وأن يسيطر الصمت المخزي على جماعة (صحافة حرة أو لا صحافة)، ممن درجوا على تنظيم الوقفات الاحتجاجية المستنكرة للتعدي على الحريات العامة، ورفع لافتاتٍ تندد بتكميم الصحافة وملاحقة الصحافيين لمنعهم من التعبير عن آرائهم، وإرهابهم بحجب الصحف ومصادرتها واعتقال الصحافيين على أيام العهد البائد.
* هل تغيرت القناعات، أم تحولت الشعارات إلى صنمٍ للعجوة، يتم التهامه عند الحاجة؟
* لم يدر في خلدنا ولم نتوهم في أسوأ كوابيسنا أن تعود ممارسات العهد البائد لتحُدَّ من حرية التعبير، وتلاحق قادة الرأي، وتلقي بالصحافيين وراء القضبان في عهد حكومة الحرية والسلام والعدالة، سيما وأن أحد أعضاء مجلس سيادتها كان يمتهن الصحافة قبل أن يطرق أبواب القصر الجمهوري!
* الحرية لعطاف.. والخزي والعار لأعداء الكلمة، ومحترفي تكميم الأفواه.. في كل العهود.
صحيفة اليوم التالي