(1 )
نظرية المؤامرة والمتداولة من زمن تقول إن السودان مستهدف في وحدته، وأن بعد (غلغلة) دارفور سيكون الشرق هو المحطة التالية، وأن سكين التقسيم سوف تسري في الجسد الشرقي بأسرع مما سرت به في دارفور، حاولنا تكذيب ذلك بكل ما أوتينا من قناعة، وقلنا إنها فزاعة لكي يستسلم الشعب للأمر الواقع، ويرضى بما يفرض عليه من واقع، ولكن هذه هي الأحداث تترى لتؤكد لنا أنها ليست مؤامرة فحسب، بل بجاحة وقوة عين، حيث إن صاحب المخطط أصبح يبوح بمخططه دون خوف من عواقب، ولا حتى من أن يأخذ الشعب حذره، وربما يكون في ذلك مولد نظرية جديدة، فحواها (إذا كان ما تخطط له يصعب تصديقه صرح به حتى لا يصدقه الناس، بالتالي لا يعملون على تلافيه ولا يأخذون حذرهم).
(2 )
الزعماء القبليون لا يلجأون للدخول في صدام مع سلطات الدولة المركزية، بل على العكس تماماً هم دوماً في خدمتها، طالما أنها تترك لهم القيادة والتميز على قومهم، فمنذ قوانين الإدارة الأهلية التي اصطكها الاستعمار في 1927، أصبح هناك تحالف بين السلطة المركزية والزعماء التقليديين، وتوزيع معلوم للأداور؛ لذلك نجدهم يوالون كل من (يمسك الخرطوم)، فهم مع الانجليز، ومع الحكام العساكر، ومع الحكومات الحزبية اي مع الحكومات السابقة واللاحقة، لا يبكون على من سلف مهما أعطاهم، لأن اللاحق لن يجرؤ على تجريدهم من مكتسباتهم، مهما كان مصدرها، بعبارة ثالثة ليس لديهم أي ولاء مطلق لأي حاكم، ولا عداء مطلق مع أي حاكم، اللهم إلا إذا حاول النظام الحاكم الحؤول بينهم واتباعهم بأي شكل من الأشكال، لذلك درجت السلطات على تجنب الاحتكاك بهم بل تسعى للالتفاف عليهم بالخدمات الحديثة من تعليم وإدارة وصحة، لتجردهم على المدى الطويل من سلطاتهم الموروثة، وفي تقديري أن هذا هو عين الحكمة، فالسلطات التي تأتي بالتراكم على المدى الزمني الطويل، لن تنتهي إلا بالرهان على تراكم زمني مقابل.
(3 )
بعد التنظير والنظرة التاريخية أعلاه ندلف لما يحدث اليوم من (ميلودراما) في شرق السودان، ونسأل لماذا ركب الناظر ترك هذا المركب الصعب فيأتي بما لم يأتِ به الأولون، ويخنق البلد من حلوقمها؟، بعبارة أخرى لماذا ركب الناظر ترك هذا الحصان الجامح الذي لا يهدد البلاد فحسب، ولا الشرق وحده، بل يهدده هو شخصياً؟ بعبارة ثالثة إن ما يجري الآن من إغلاق للبلاد أثره السالب ذو أبعاد ثلاثية على البلاد، وعلى الشرق، وعلى ترك نفسه، قبل أن نحاول أن نجيب على هذا السؤال غداً، إن شاء الله، وندعو السيد ترك إلى تحكيم صوت العقل ولا يقود البلاد والعباد إلى التهلكة، وأن يتراجع عما يقوم به الآن، وفي نفس الوقت ندعو الحكومة إلى مواصلة تهدئة الموقف، والتفاوض مع ترك، وفتح باب المخارجة له، وألا تعين الشيطان عليه، أما ناس (المديدة حرقتني) فنقول لهم إنها سوف تحرقكم، وتحرق نسلكم، وكل أهلكم.. فيا جماعة الخير هذا الذي يجري الآن أكبر من ترك، وأكبر من الذين يقفون خلفه مخططين وداعمين، وأكبر من الحكومة الانتقالية التي لا يرى بعض منسوبيها أبعد من أرنبة أنوفهم، وأكبر من بعض القوى الإقليمية الضالعة بوضوح تام في اللعبة، إنه جزءٌ من اللعبة الدولية، لكن تاني نرجع ونقول إن إفشال أي مخطط أجنبي أو أي مؤامرة دولية يبدأ من هنا من السودان، وأهل السودان هم الذين يتوجب عليهم نزع فتيل المؤامرة .
صحيفة السوداني