الفوضى التي تضرب الأسواق،تعتبر من أهم الأسباب التي تساهم في رفع أسعار السلع، فكل تاجر يضع السعر الذي يريده،حتى ولو كانت السلعة طماطم تزرع في طرف النيل وتأتي إلى السوق بتكتك،وعلى المواطن أن يشتري وهو ساكت أو ينصرف وهو ساكت أيضاً، فإن فتح فمه محتجاً فلدى التجار الكثير من الحجج الجاهزة التي وفرتها لهم الحكومة منطقية أو غير منطقية هم يستفيدون منها.
أهم الحجج التي يعتمد عليها التجار في تفسير زيادة الأسعار المستمرة دون توقف هي أن الحكومة لا تقدم لهم أية خدمة على الإطلاق، وأن أغلب أرباحهم تذهب خدماتٍ وترحيلاً وجباياتٍ حكومية، وفي الحقيقية لهم الحق فمن يرى الأسواق يتأكد أن الحكومة غائبة فعلاً، فلا دور لوزارة التجارة ولا المحلية ولا وزارة البنى التحتية ولا حتى المؤسسات الأمنية، كل شيء باق كما تركه النظام المخلوع. وقد كنا نأمل أن تغير الحكومة الانتقالية المشهد،ولكن انطبق عليها قول المثل عايرة وأدوها سوط.
السؤال المهم الذي يفرض نفسه الآن لماذا تغيب وزارة التجارة والتموين عن المشهد وهي المنوط بها ضبط الأسعار ومراقبتها،ومعلوم أن هناك طرقاً ووسائلَ علمية يتم من خلالها فعل ذلك، وأغلبها قرارات لا تحتاج إلى مال لتنفيذها مثل الخدمات. صحيح الأمر يحتاج إلى تعاون جهات عدة ولكن وزارة التجارة ما يجب عليها أن تنشط في هذا الأمر، فضبط فوضى الأسعار من صميم عملها هي.
في شهر يونيو الماضي تحركت الوزارة،وأعلنت عن حملة لضبط الأسواق حددت لها زمن انطلاق وهو الأول من شهر يوليو الماضي،سمتها الحملة القومية لتنظيم الأسواق،الهدف منها كما قال الوزير نفسه هو محاربة الغلاء وجشع التجار والسماسرة والوسطاء من خلال تفعيل قانون حماية المستهلك لجعل الأسعار في حدود المعقول. وبناءً على ذلك أصدر قراراً شكل بموجبه عدداً من اللجان لمتابعة العملية وعلى رأسها لجنة الرقابة المكونة من الأجهزة الشرطية والأمن والمباحث والدعم السريع، إضافة إلى وزارة العدل وولاية الخرطوم ولجان التوعية والإعلام ولجان التكاليف، مع وجود فنيين ومختصين بالوزارة لتحديد الأسعار ووضعها في ديباجات، من خلال معرفة تكلفة إنتاجها وتحديد الأرباح والسعر النهائي، فثلاثة أشهر مرت ولا جديد .
السؤال الذي يفرض نفسه لماذا لم تنفذ وزارة التجارة تلك الحملة، هل لأنها عاجزة عن التحرك لوحدها وخذلتها الجهات التي تنسق معها، أم هوخوف من التجار ولذلك أعلنت الخطوة كتخدير للشارع حتى يسكت عن الصراخ من ألم تلك الفوضى واستبداد التجار والسماسرة والمحتكرين. وطبعاً هذه قمة الهزيمة للحكومة الانتقالية والخذلان للمواطن الصابر الذي فقد الأمل وبدأ هو نفسه يساهم في الفوضى، بالدخول إلى عالم السمسرة والاحتكار والتجارة بالطرق غير الشريفة .
عدم إنهاء الفوضى التي تضرب الأسواق لا يسهم في ارتفاع الأسعار فقط،بل يفتح الباب أمام المواطنين ليصبحوا جزءاً من الأزمة،وكلما تأخر وقت الحزم كلما تعقدت الأمور وارتفعت تكلفة العلاج،ولذلك مطلوب من وزارة التجارة والتموين التحرك الآن،وعلى الوزير أن يفكر خارج الصندوق لحل هذه المشكلة أو فليرحل،إذ لا داعي لوجوده ما دام لا يستطيع حسم فوضى الأسواق وهي من أكثر الأمور التي تشقي المواطن.
صحيفة السوداني