وصلت ولاية نهر النيل في نهاية أكتوبر ٢٠٠٢م، أي في نهاية العام المالي.
وطبعا من مهام أي والٍ:
١/ توفير الأمن للمُواطنين.
٢/ توفير وتحسين الخدمات العامة وهي الصحة والتعليم وخدمات الكهرباء والمياه والأمن الاجتماعي.
٣/ توفير معاش الناس وضروريات حياتهم.
٤/ التنمية وزيادة مداخيل المواطنين من غير العاملين في الدولة مع سداد مرتبات واستحقاقات العاملين في وقتها.
٥/ وأشياء اخرى من بينها السلام الاجتماعي وضبط سلوك المجتمع.
لتوفير المطلوبات أعلاه، لا بد من موارد مالية وإيرادات تغطي المصروفات التي تقابل هذه الأعمال، ولذلك تعمل ميزانيات سنوية للصرف على هذه الأعمال.
وبعد اجتماعي الأول بالحكومة وتكملة إجراءات التسليم والتسلم من الأخ المهندس ابراهيم محمود والي الولاية الذي خلفته، عقدت اجتماعاً مع أعضاء الحكومة وبحضور المعتمدين، واستعرضنا ما تبقى من خطة العمل لمتبقي العام المالي ٢٠٠٢م وكيفية تسيير دولاب العمل.
واتضح لي أن موارد الولاية شحيحة جداً وبالكاد تكفي مرتبات العاملين في الدولة، لأن الإيرادات تعتمد على بندين هما:
١ / التعويض الزراعي وهو ما يدفع من الحكومة المركزية مقابل القبانات والعُشُور التي تحصِّلها الولايات من الرسوم المفروضة على المنتوجات الزراعية والتي ألغتها الحكومة المركزية تشجيعاً للزراعة وعوّضت الولايات عنها من الخزينة العامة.
٢/ ما يحصل من القيمة المضافة.
هذا وقد تكون هنالك إيرادات أخرى ولكن قليلة من مصادر أخرى.
وبعد اجتماع الحكومة عقدت اجتماعات مختلفة، للاستعداد للعام المالي ٢٠٠٣م وهو عام الانطلاق بالنسبة لي وكنت حريصاً جداً أن أسجل نجاحات تُحسب لحكومتي ولي في كل المجالات بالولاية، وكانت الاجتماعات مع وزير المالية ومساعديه، ووزراء القطاع الاقتصادي ومساعديهم، ومع أحزاب الحكومة، على رأسهم المؤتمر الوطني، ومع رئيس ورؤساء لجان المجلس التشريعي الولائي، ومع قيادات من أحزاب المعارضة، ومع بعض قيادات مجتمع الولاية، وكذلك مع متخصصين في المال والاقتصاد.
وخلصت إلى الآتي:
١ / موارد الولاية كلها كانت تعتمد على الزراعة، ورغم أن الولاية زراعية وفيها محاصيل ذات قيمة مضافة، ولكن المساحات ضيِّقة والمصروفات عالية، لأن الزراعية مروية.
وعليه، قررت أن ألجأ الى موارد أخرى، وانواع هذه الموارد وكان أكثر الاتجاهات ركّزت عليه هو الصناعة والسياحة. وكان أهم صناعة في نهر النيل هي صناعة الأسمنت لوجود الخام وسهولة النقل الى الخرطوم عبر الطريق البري وعبر السكة حديد.
ولذلك، اتفقت مع السيد وزير المالية والاستثمار أن نلغي كل الرسوم على تصاديق مصانع الأسمنت للجادين ونقيم كمية كبيرة من المصانع لنغطي حاجة البلاد من هذه السلعة، وبذلك نوفر عملة حرة، وكذلك نسد حاجة البلاد التي كانت حوالي ستة ملايين طن من إنتاج الأسمنت محلياً وفي ذلك توطين لصناعة الأسمنت وكذلك زيادة لموارد الولاية، ولذلك صدقت حوالي أربعة عشر مصنعاً وبدأت تصلنا من ذلك إيرادات مهولة خاصة في العامين ٢٠٠٤ و٢٠٠٥م، وتوالت الزيادة في الإيرادات بعد ذلك، حيث انني غادرت الولاية.
والمصدر الثاني هو السياحة، وايضاً قمنا بعمل كبير في السياحة بمجهود الأخوين علي الروي ومحجوب محمد عثمان وزيري الشؤون الاجتماعية والسياحة في عهدي، خاصة وأن الولاية تملك مواقع أثرية عديدة.
وعليه، هذه الموارد مكّنتنا من تطوير الزراعة وزيادة الرقعة الزراعية، ووجدنا دعماً إضافياً من مشروع توطين القمح للقيام ببنيات تحتية لأغلب المشاريع الزراعية من تأهيل ترع ومحطات التوليد وطلمبات الري.
وفوق ذلك، ضبطنا سلفيات المُزارعين من البنك الزراعي، وألزمنا المزارعين بسداد مديونياتهم في مواعيدها، وعملنا لجان مراقبة وتفتيش دائمة في المشاريع الزراعية وزاد الإنتاج رأسياً بإدخال التقانات، وكان لوزراء الزراعة ومساعديهم دور كبير في ذلك، وأيضاً تجاوب المزارعين واتحاداتهم ولاتحاد المزارعين الولائي دور كبير جداً في ذلك والذي كان رئيسه الأخ علي التوم.
هذه السياسة المالية من استنباط إيرادات وضبط للصرف وترشيده جعلتنا ندفع مرتبات العاملين والاستحقاقات الأخرى في يوم ثلاثين من كل شهر.
وكان للأخ الزين الحادو وزير المالية وقتها، القدح المعلى في ذلك، وكذلك لوزراء القطاع الاقتصادي، وللأجهزة السياسية والتشريعية الدور الكبير والمهم. ثم التجاوب الذي وجدناه من المواطنين، بل حتى من احزاب المعارضة التي كانت جزءاً من عملية إدارة الحكومة، لأننا كنا نشاورهم في كل أمر ونعمل بشورتهم، وكان الإخوان عبد الله علي خلف الله المؤتمر الشعبي والأخ الدكتور الخطيب الطبيب الإنساني والرجل الفاضل قائد الحزب الشيوعي وحزب الأمة القومي برئاسة الرجل العظيم طه سعد والحزب الاتحادي الأصل، ولا أنسى النقابات واتحاد العمال وأحزاب الحكومة وقتها من المؤتمر الوطني الأخ عبد المحمود عثمان منصور والأخ حسن كافوت حزب الأمة الوطني والأخ عباس العبيد النقابي المهول والحزب الاتحادي الديمقراطي عمنا عبد الله، لهم دور كبير في نجاح هذه السياسة المالية الضاغطة والضابطة والموجهة لصالح إنسان الولاية.
وعليه، إن القائد الذي يحمل معه كل المجتمع ورموزه وقياداته ويتواجد معهم بالقرار والشورى والرأي والمتابعة في التنفيذ ينجح وينجح الكل، لأن الحكم مسؤولية يجب أن يشارك فيها الجميع، المعارض قبل المؤيد، والبعيد قبل القريب، لأن الحكم ليس شركة خاصة للحاكم، ولكن هو شراكة عامة أسها المُجتمع.
هنا تحياتي لكل شعب نهر النيل، لقد وجدت منهم جميعاً تعاوناً مُنقطع النظير في تنفيذ هذه السياسة المالية التي كانت صعبة جداً في البداية ولكنها سُهِّلت جداً في النهاية.
لأننا من أنصار ضبط المال العام وترشيده واستغلاله في موقعه، ولذلك بدأنا الضبط من الوالي ومكتبه والحكومة ووزرائها، بل أوقفنا الصرف حتى الإعانات العينية التي كانت تصل لبعض العاملين تجاوب معنا الكل. القائد القدوة هو سر نجاح الفريق.
صحيفة الصيحة