عاد صلاح قوش إلى واجهة الأحداث من جديد، بعد الحديث عن قبول السلطات المصرية – من حيث المبدأ- فكرة تسليمه إلى السلطات السودانية، وهو أمر حرك ساكن البِركة الراكدة بفعل التغافل المستمر عن واحدة من القضايا التي دُونت فيها بلاغات عديدة، وقوش بحسب كثيرين يعتبر واحداً من أبرز قيادات نظام الإنقاذ التي يفترض أن تحاسب على الأفعال والممارسات والقهر والظلم الذي مورس ضد المعارضين والأبرياء من الشعب السوداني، أثناء حقبة نظام الإنقاذ.
غادر صلاح قوش الخرطوم بفعل ترتيبات فوقية، وتمكن من مغادرة البلاد إلى القاهرة، بينما تمارس الحكومة صمتاً مريباً ــ بحسب مراقبين ــ تجاهه، وتواجه الحكومة الانتقالية اتهامات كثيفة إزاء تعاملها مع ملف صلاح قوش، ويدمغها كثيرون بالتواطؤ والتعاون والتغاضي عنه بسبب تفاهامات سابقة بين المكونات المختلفة الحاكمة الآن وقوش، وهو ما قاد بحسب هؤلاء إلى تجاهل لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين لممتلكات وعقارات وشركات صلاح قوش، وعدم التعرض له نهائياً، فضلاً عن أسئلة أخرى تتعلق بتسريبات حول تعاون متصل بين قوش وقيادات الحكومة الحالية، وتحتفظ مصر بالجنرال قوش لأنه يمتلك الكثير من المعلومات المتعلقة بخارطة الحركات الإسلامية في السودان والمنطقة المحيطة به، وقام بتسليم عدد من المطلوبين من الجماعات الجهادية لمصر، بعد أن فرّت إلى السودان.
غطاء دولي
الحماية التي توفرها القاهرة بغطاء دولي لصلاح قوش وتفاهامات مع الحكومة الانتقالية، يرى البعض أنها ستزيد من إضعاف معدلات الثقة وسط الشعب السوداني تجاه حكومته، سيما في ظل الأصوات المرتفعة والضغوط التي تتعرض لها فيما يتعلق بملف تسليم صلاح قوش، فالحكومة من جهة تجد نفسها بين مطرقة الشارع والمد الثوري المطالب بمحاسبة قوش، وفي الوقت ذاته الالتزام بالعهود الدولية التي قطعتها على نفسها، وبموجبها وجدت الاعتراف والتعامل والدعم من قبل المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، لذلك فإن كل ما يرشح من أنباء عن تسليم صلاح قوش، بحسب مراقبين، لا يعدو كونه مجرد “فرقعات إعلامية” الهدف منها إلهاء الشعب السوداني، وتحريك دفة الأحداث نحو بؤرة أخرى تصرف الأنظار عما يعد أو يطبخ في مصنع القرار الرسمي.
تعاون القاهرة والخرطوم
مستوى التعاون بين الخرطوم والقاهرة وصل إلى مراحل متقدمة في مختلف الملفات بعد إسقاط نظام البشير، ولكن في الوقت ذاته يشير البعض إلى أنه ورغم تلك التطورات في أشكال التعاون، إلا أنها لن تقود القاهرة إلى تسليم صلاح قوش للخرطوم في الوقت الراهن؛ نظراً لعوامل عديدة في مقدمتها الأدوار الجليلة والتعاون الكبير الذي أنجزه قوش في تحسين مستوى العلاقة مع الخرطوم في فترة الإنقاذ، فضلاً عن كونه مخزن أسرار، وصندوقاً أسود، لا يمكن الاستغناء عنه، فصلاح قوش بحكم أدواره السابقة على مدى فترات طويلة يملك الكثير من الأسرار والمعلومات، وهو ما يجعله محل قلق دائم بالنسبة لمنافسيه والكيانات المتصارعة على الحكم في السودان، وكان النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، محمد حمدان دقلو، اتهم صلاح قوش، بالوقوف وراء أحداث هيئة العمليات، التي وقعت في يناير 2020، التي عتبرها تمرداً، والتورط في التخطيط للانقلاب، وسبق أن أعلن المكتب الوطني للإنتربول في السودان تفعيل “النشرة الحمراء” بطلب من الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) في تعقب مطلوبين رئيسيين من قادة النظام السابق ممن فروا عقب الإطاحة به، ومن بينهم مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح عبدالله قوش، المعروف بالصندوق الأسود في السودان، الذي تتمسك مصر بعدم التفريط فيه..
تضييق الخناق
ويقول مراقبون إن مذكرة التفاهم الموقعة بين المنظومتين القضائيتين في الدولتين استهدفت تضييق الخناق على المتهمين في قضايا عدة داخل أي منهما وعدم الهروب إلى الدولة الأخرى، وهي لا تنفصل عن المساعي الحثيثة لضبط الحدود المشتركة، وعدم تحويلها إلى أداة لتهريب عناصر إجرامية وإرهابية، وعلى الرغم من تأكيد النيابة العامة السودانية على أن ثمة تطوراً إيجابياً طرأ على مستوى التعاون بين البلدين فيما يتعلق بتسليم المطلوبين من قيادات النظام السابق، فضلاً عن التأكيد على أن النائب العام مبارك محمود قد أجرى في زيارته الأخيرة للقاهرة مباحثات جادة مع نظيره المصري بخصوص المتهمين السودانيين المطلوبين الموجودين حالياً في مصر، إذ أبدى الجانب المصري “استعداده التام” لمناقشة التعاون في تسليم المطلوبين للسلطات السودانية، كما اتفق الجانبان على مواصلة الاتصالات بينهما حول الكيفية والطرق التي سيتم بها الأمر، إلا أن كل التكهنات والتوقعات تشير، بحسب كثيرين، إلى أن المؤشرات الإيجابية رغم تفاؤل النيابة بها، ولكنها لن تصل مرحلة تسليم صلاح قوش، فالرجل محاط بدرجة عالية من الترتيبات الدقيقة المتحكمة في دفة تسيير الأوضاع بالمنطقة .
مشروع دولي
القيادي بالحزب الناصري السوداني الفاتح سليم، يقول: “من وجهة نظري المتواضعة أن المشروع الجاري في السودان هو مشروع دولي بأدوار معلومة لعدة جهات ودول”، ويضيف أن هذا المشروع تم توظيف دول إقليمية لتنفيذه، وفي المستوى الداخلي فان صلاح قوش ومجموعته داخل جهاز الأمن والقوات المسلحة كانوا هم رأس الرمح في تنفيذ المشروع الدولي، ويشير الفاتح في حديثه لـ”السوداني” إلى أن بداية الإعداد والتخطيط للمشروع الدولي هذه كانت منذ العام “2012”، من خلال وضع عدة سيناريوهات أولها، بحسب حديثه، تكوين مستشارية الأمن بتعيين صلاح قوش كمستشار للأمن في حكومة البشير، وقتها جاءت ردة الفعل قوية من تيارات داخل الإنقاذ، وتصدى نافع علي نافع لتلك الخطوة، وقاد صراعاً ضارياً مع قوش، وانتهى الأمر بإزاحة قوش، ويضيف سليم أن السيناريو الثاني يتمثل في تدبير المحاولة الإنقلابية بقيادة قوش وود إبراهيم، ومن ثم جاء السيناريو الثالث بإقامة الحوار الوطني، وهو الأمر الذي فجر الصراع داخل نظام الإنقاذ وخرج للعلن برفض البعض لترشيح البشير للرئاسة، وينبه الفاتح إلى أن الرئيس المخلوع عمر البشير كان ضمن كل تلك السيناريوهات ويعلم بها، حتى لا يحدث في السودان ما حدث في ليبيا وسوريا واليمن. الفاتح سليم في إفاداته للصحيفة يقول إن الحراك الشعبي أسهم في حدوث التغيير، وأن جهاز الأمن لعب من خلال (الميديا) دوراً كبيراً في استمرار الحراك، إلى أن وصل للنهاية باستغلال الحراك وتجييره لمصلحة المشروع الدولي، بغرض تأسيس نظام ليبرالي حقيقي بدلاً عن الليبرالية المشوهة التي تحدث عقب كل انتفاضة في السودان، لكل ذلك يرى القيادي الناصري أن صلاح قوش الذي يمثل رأس الرمح في المشروع الدولي لن تفكر مصر في تسليمه، ويلفت سليم إلى أنه هل فعلاً النظام القائم في السودان الآن جاد في مطالبة مصر بتسليم قوش، أم أن هناك جهة تمارس تمويهاً؟، مؤكداً أن البعض في داخل النظام يعتقدون أن هناك تغييراً ثورياً حقيقياً، ولكنهم يلعبون دوراً دون وعي منهم، لذلك غاب عنهم أو تم تغييبهم عن ممتلكاته.
مغادرة البلاد
وفي السياق يرى علي تبيدي، الناطق الرسمي باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي الشرعية الثورية، أن الحديث عن تسليم قوش وتغاضي لجنة التمكين عن ممتلكاته يفترض أن تسبقه الإجابة على سؤال أكبر مفاده كيف تمكن صلاح قوش من مغادرة البلاد عبر مطار الخرطوم؟، وهذه بحسب حديثه أكبر مشكلة تشكك في حكومة الثورة، ويقول تبيدي إن المجالس تتحدث عن دور لقوش في صناعة الثورة، لذلك فإن التغاضي عنه أمر طبيعي من حكومة تعلم ذلك الأمر، غير المعلوم لوقود الثورة وشبابها الثوار المطالبين بتحقيق العدالة، ومحاسبة أسوأ رئيس لجهاز الأمن في حكومة الإنقاذ. علي يقول في حديثه لـ”السوداني” إن مصر تأوي قوش، وهو يقيم هناك بحرية كاملة، وأن المطالبة بتسليمه لا جدوى لها في ظل التفريط الذي حدث منذ البداية، فقوش ــ بحسب حديثه ــ يفترض أن يكون أول المتهمين، وكان يمكن القبض عليه منذ اليوم الأول للثورة، تبيدي يشير إلى أن ما يجري حالياً من أنباء عن تسليمه لا تعدو أن تكون مجرد فرقعة إعلامية فقط، مشيراً إلى أن لجنة إزالة التمكين أيضاً تمارس غفلة واضحة في التعامل مع أرصدة وعقارات وشركات صلاح قوش دون مببرات، وهو ما يبرز علامة استفهام كبيرة يجب على الحكومة أن تخرج وتوضح الحقائق للعامة، وأن لا تمارس الخداع مع الثوار والشعب السوداني الذي حملها إلى الحكم على دماء الشهداء الأكارم.
ورقة ضغط
وفي غضون ذلك يرى مراقبون أن فرضية تسليم قوش في الوقت الراهن لا تبدو قريبة؛ نظراً لعدة عوامل من بينها، أن الرجل يمثّل ورقة ضغط كبيرة للقاهرة على الحكومة السودانية، لن يقوم النظام في مصر بالتفريط فيها بسهولة، رغم قوة العلاقة بين البلدَين في الوقت الحالي، فضلاً عن الارتباط الوثيق بين صلاح قوش ودولة الإمارات، مع إشارات إلى أنه ورغم المنافسة بين قوش والمكون العسكري بالحكومة الانتقالية، فإنهم لن يجازفوا باعتقاله ثم إخضاعه للمحاكمة، وإلا لما سمحوا له بالخروج من السودان عقب محاولة الاعتقال الفاشلة في مايو 2019، إلى جانب شعور النظام في مصر بالامتنان لصلاح قوش، فقد لعب دوراً كبيراً في تحسين العلاقات خلال آخر عام من حكم البشير، بعد فترة من التأزُّم.
الخرطوم: مهند عبادي
صحيفة السوداني