(1 )
شئ محير بالجد أن يظل معدل التضخم في حالة تصاعد دون أدنى تراجع لهذه الفترة الطويلة التي فاقت العامين على حسب نشرات الجهاز القومي للإحصاء حتى يوليو المنصرم، وهو من الأجهزة ذات المصداقية العالية. في هذه الأيام بدأ مشروع الجزيرة يفيض بالخضروات مثل العجور والبامية والملوخية والبطيخ، وفي الطريق الطماطم والجذر والفلفلية والأسود، ومع ذلك ظل مؤشر التضخم في معدله، فاليوم (العلينا دا) جوال العجور وجوال البامية أصبح ثمنه أقل من ثمن الجوال الفارغ، ناهيك عن الترحيل لذلك تركه المزارعون في عرقه لتأكله البهائم، ومع ذلك لم ينعم المواطن لا في العاصمة ولا في الجزيرة بهذا الرخاء، وهذا راجع لعدة أسباب ليس من بينها الترحيل الذي لا يكلف أكثر من (5%) من سعر التكلفة، إنما بسبب الإجراءات الإدارية وعراقيل الطريق التي تضعها الدولة، ولكن الأهم قبضة السماسرة الذين أصبحوا إمبراطوية.
(2 )
عندما نشأ مشروع الجزيرة في عام 1925 كان سكان العاصمة قرابة المائتي ألف نسمة فقط، لذلك لم يتم استصحاب وجود سوق في العاصمة في خارطة الإنتاج، الآن سكان العاصمة قرابة العشرة ملايين نسمة، ومشروع الجزيرة في طرف العاصمة الجنوبي، فلماذا يتم تجاهل مثل هذه السوق الجاهزة في التركيبة المحصولية؟، لو تم تخصيص القسم الشمالي فقط مع بقية أراضي ولاية الخرطوم الزراعية لإنتاج الألبان واللحوم والمنتجات البستانية من خضروات وفواكه لسكان العاصمة لكان حال هذا القسم غير، ولكان حال السكان في العاصمة غير، لكن قل يا صاح كيف يمكن أن تنفذ مثل هذة الأفكار البسيطة وقليلة التكلفة في نفس الوقت، وكل أهل السودان مشغولون بالفارغة ومقدودة، وعاملين فيها أعظم شعب سياسي في الدنيا وأكبر منتج للثورات، مع أن التنمية الاقتصادية هي الثورة الحقيقية لو كنا نعلم.
(3 )
دعونا الآن من التفكير المستقبلي فـ(نحن ما قدره) خلونا في واقعنا البائس، فالآن العجور والبامية تترك في عروقها للحيوانات، هذا هو مصير البطيخ الذي يغزو العاصمة الآن، وفي الطريق الطماطم، علماً بأن الطماطم كانت في يوم الأيام عندما تملأ الأسواق توقف الذبيح لأنها تلعب أكثر من خانة في المائدة. كيف يمكن أن تصل هذه المنتجات للمستهلك في العاصمة لكي يستفيد المنتج والمستهلك فكلاهما خاسر الآن؟ الرأي عندي هو أن تضع وزارة شئون مجلس الوزراء اليوم قبل الغد مشروع قانون تصيغه وزارة العدل ويرفع للاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء لإجازته فوراً، وينص هذا القانون على عدم اعتراض أي مركبة في الطرق القومية أو الفرعية تحمل منتجاً زراعياً أو حيوانياً من جهة من الجهات لجباية أو تفتيش أو أي معاملة أخرى، إلا إذا ارتكبت هذه المركبة حادثاً، ثانياً لا تعترض أي جهة من الجهات أي بائع متجول على ظهر سيارة أو دابة في أي مكان في السودان، وفي أي زمان (المستبطن كل أحياء العاصمة) . أفتكر تفسير هذا القانون واضح لقد سبقتنا الهند على هذا عندما أرادت القيام بالنهضة التي تهزم بها الفقر ولم تجعله قانوناً عادياً، بل نصاً في صلب الدستور، ولكننا في السودان لن نفعل لأن أصحاب المصالح الضيقة من أصحاب الصفافير، وإيصالات الغرامة الفورية وضباط الصحة وضباط الأسواق المركزية لديهم قدرة عالية على تدبيج التقارير الزائفة التي تحمي مصالحهم الذاتية… خالد أعمل رايح.
صحيفة السوداني