د. ناهد قرناص تكتب : بدايات ..لا

طرفة قديمة عن مغترب عاد الى قريته بعد طول غياب . .سنوات قضاها في الغربة كان الاكل الرئيس فيها هو الدجاج والارز ..عندما وصل الى بيته وبعد السلام والمطايبة واجتماع الناس ومن ثم تفرقهم ..كان التعب قد بلغ به مبلغا جعله ينام في مكانه ..استغرق في نومه حتى صحا على صوت امه وهي تطارد دجاجة ..فتح عيناه ولمح السيدة الوالدة وهي تحمل سكينا بيمناها والدجاجة بيسراها ..في تلك اللحظة تمثلت امام ناظريه كل الذكريات مع الدجاج والارز ..فلم يتمالك نفسه وطفق يصرخ (جداد ..لا ..كابلي ..لا ) …والكابلي نوع من انواع طبخات الارز وليس المقصود بالطبع الفنان الكبير الكابلي …متعه الله بالصحة والعافية.
حكينا القصة دي ليه ؟ لكي اقول للناس اللي بيدهم القلم ..بالله عليكم لا تعلنوا لنا عن البدايات ..لا تظهروا على شاشات التلفزيون او تكتبوا في الشريط الاخباري انه قد الاتفاق على كذا ..وانه سيتم تشغيل الخط كذا ..او انه سيتم استيراد كذا من القاطرات حسب الاتفاقية مع الدولة الفلتكانية ..ليه ؟ لأننا شبعنا من هذه الشاكلة من الوعود ومن المشاريع غير المكتملة والتي تنتهي بمجرد نهاية الاعلان عنها ..شبعنا منها في العهد البائد حتى صرنا مثل ذلك المغترب نقول دون وعي (بدايات لا ..اعلانات لا)

زمان عندما كان القطار ياخذنا الى الخرطوم ..كنا نمر بمنطقة بالقرب من شندي ..بها بقايا معدات واجهزة ..قيل انه معدات لمصنع في عهد نميري كانوا قد عقدوا النية لانشائه ..ولكن تراجعوا لاسباب لا اذكرها ..المهم ان صورة تلك المعدات باقية في ذهني حتى الان ..ترى هل يحدث هذا في اي بقعة من بقاع الارض ؟ ..(قول واحد) ..في منطقة شرق النيل عندما تعبر كبري عد بابكر ..وتتجه شرقا ..ستلاحظ ان هناك انابيب ضخمة مكدسة على جانب الطريق ..قيل انها محطة مياه كان ايضا قد عقدوا النية على انشائها ..لكن تعثرت الامور ..ليه ؟ لا احد يدري ..هذا في عهد البشير ..(قول اتنين) طبعا مافي داعي اذكركم بمطار الخرطوم وكم مرة احتفلنا ببداية العمل فيه ..ولا بصات الوالي ..ولا مشروع نظافة الخرطوم والشركات الاجنبية ..والمحلية …والكثير المثير الخطر ..

هل الامر له علاقة بالجينات الوراثية السوادنية ؟ نبدأ الامر ثم نتركه ونبدا مشروع آخر؟ المهم ..اننا شبعنا من اعلانات البدايات والتدشينات ..وانا شخصيا كرهت الفرحة التي لا تتم ..واحساس الترقب وانتظار المستحيل الذي نعايشه منذ زمن (حفروا ) البحر ..لذلك نصيحتي اقولها للعهد الجديد ..اقضوا حوائجكم بالكتمان ..اعملوا لينا مفاجأة في نهاية المشروع وقولوا لنا (تم اكتمال تاهيل السكة حديد واليوم وصل قطار الاكسبريس الحديث الى نقطة النهاية في وادي حلفا حيث استقبله الاهالي بالاهازيج والطار والاغاني والزغاريد ) فاجئونا ياخ ..ادخلوا في قلوبنا فرحة غير متوقعة .. لا تعقبها الحسرة والندم ..

لو كان الامر بيدي لمنعت اي وزارة من الاعلان في البداية ..لكن الفوز في السباق لصاحب الانجاز المكتمل ..والذي يكمل المسافة دون تصفيق ولا ترويج ..كفاية خلاص يا جماعة ..جداد لا …اعلانات لا ..احتفالات لا ..كابلي لا.

صحيفة الجريدة

Exit mobile version