أقر العميد شرطة د. إدريس عبد الله ليمان الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة، بعزوف الشباب عن العمل في الشرطة، بجانب النزيف المستمر للخبرات والكفاءات بعدم التجديد مرة أخرى أو بطلبات خلو الطرف لمُغادرة المهنة، وفي ظل الظروف الاقتصادية المعلومة للكافة والتي يعاني من أزمتها الجميع، إلا أن الشرطة تقوم بالمهام الجِسَام في ظل تشغيل ضاغط وتواجد دائمٍ ومستمر، ورغم ذلك فإنها تعمل جاهدةً لتحقيق الأمن الإنساني والمُتمثل في السلم المجتمعي والتماسك الاجتماعي, عثرات وتحديات كثيرة تُواجه قوات الشرطة. ففي وقتٍ سابقٍ، قال مدير عام قوات الشرطة الفريق أول شرطة خالد مهدي، إن الشرطة تحتاج إلى حماية قانونية كافية وبصورة عاجلة فقط للقيام بدورها، وأشار إلى أنّ الأمر لا يتعلق بالصلاحيات، ونجد بأن الشرطة وبقية الأجهزة الأمنية تواجه انتقادات حادّة بخصوص حصانات منسوبيها، البعض فرض رؤيته بأنّ مَنح الحصانات من المشاكل التي تُعرقل إجراءات تحقيق العدالة، أو ربما تُعطِّلها تماماً، بجانب ضعف الرواتب الذي أدّى إلى خلق جوٍّ غير صحي.
الظلم والمُحاصصات
أولاً، لا بد من التأمين على تحويل دولة الحزب إلى دولة الوطن، وإعادة بناء الدولة التي تسع الجميع دون أن يسعى الكل إلى بناء الجزء الخاص به، فالشرطي أو النظامي عموماً يحاول العمل بعيداً عن السياسة، وحالياً في الشرطة هناك من يُحاول نزع الشرطة من الحزب وإعادتها إلى الوطن، وعقب سقوط حكومة المخلوع بدأت قوات الشرطة تتسارع مثل بقية المؤسسات التي عانت من الظلم والمُحاصصة والتمكين، فهي كذلك بدأت تطلق صوتها للعلن عبر شرفاء الشرطة مُطالبة ببناء شرطة مهنية قوية تكون هي الأساس الذي تُبنى عليه دولة القانون المدنية والعدالة، وكان مطلبهم الأسمى قيام شرطة قومية مهنية مستقلة خالية من المحاصصة الحزبية والجهوية وتحسين الوضع المعيشي وتوفير الحماية القانونية وتحقيق العدالة أياً كان شَكلها ومُحاربة الفساد بشتى أنواعه، ومُحاربة المحسوبية والمُحافظة على هيبة الدولة كما نص الدستور والقانون.
المُطالبة بالتحسين
تسارعت الأحداث من إعلان إضراب وعزوف عن العمل وتقديم استقالات وهتافات بالساحة الخضراء، تطالب بتحسين الأوضاع التي جعلت من مهنة الشرطة طاردة. فيما علمت (الصيحة) بأن الشرطة شرعت في تحسين شروط الخدمة عقب ما طفح في سطح الأحداث وكيفية توفير الإمكانَات اللازمة التي تُعين في تحسينها وما زالت تواصل في ذلك، بجانب عدم توفر الحماية القانونية، وظلّت المُطالبة بتعديل القانون ينادي بها الكُل، فهو أبرز ما يُواجه تساقط القوة داخل الجهاز الشرطي، ليمثلان دافعاً قوياً أمام الشرطي للتخلي عن الوظيفة وقفزت على رأسها مؤخراً قيادات يعول عليها الكثيرون لإدارة هذه المؤسسة والخروج بالشرطة من المأزق الذي وضعت فيه وإصلاحها بما يخدم الشرطي أولاً.
وَضعٌ طَاردٌ
قال فتح الرحمن محمد عضو سابق بالمباحث الاتحادية، إن العمل في القوات النظامية أصبح طارداً خاصةً بعد ارتفاع تكاليف المعيشة ورفع الدعم عن المحروقات، مما زاد من أسعار السلع الضرورية اليومية، ولفت في حديثه لـ(الصيحة) بأن الأمر الذي يتطلب من القيادات الشرطية البحث عن حُلُول لوقف تساقُط القوة ووضع حلول عاجلة، وأضاف أنّ قيادات الشرطة تحدّثت كثيراً عن تهيئة المناخ لقواتها من تحسين معيشي، وتدريب وتأهيل دُون تفرقة، مُنبِّهاً إلى أنّ الشرطة شهدت تطوراً وتحديثاً في العمل الشرطي ورفع قُدرات منسوبي الشرطة، وشدّد على أهمية مواصلة التدريب المستمر لكل مسنوبي الشرطة مع مُراعاة الوضع المعيشي وتوفير الحماية القانونية.
نفس المُعاناة
أوضح الخبير في الشؤون الشرطية محمد حسن بأن المؤسسة الشرطية مثل مؤسسات الدولة التي عانت في ظل النظام السابق، وعانت مثلها في ترقية أصحاب الولاء وإقصاء الكفاءات الشرطية، ولفت في حديثه لـ(الصيحة) إلى ان الأوضاع أدت إلى الاستياء وسط الجميع، مُنبِّهاً بأنه لا بد من التغيير في السياسات العامة للشرطة نحو إقامة مؤسسة شرطية قومية مهمتها حفظ الوطن والمواطن، وفق الدستور والقانون، مشيراً إلى أنّ بعض الخطوات الإيجابية بدأت تظهر مؤخراً على نقطة أمل بإعادة الحقوق المهضومة والإصلاح الشامل والنظر إلى المطالب المُستحقة، وأضاف بأن اعتراف الشرطة بتساقط القوة والعزوف عن التجديد للخدمة في الشرطة من الصفات الحميدة، ولكن يبقى السؤال ما هي أدوات الإصلاح التي شرعت الشرطة في استخدامها وآليات التنفيذ، لأن الحديث وحده لا يكفي لإصلاح وضعٍ، بل بخطوات عملية يتحسّسها الشرطي أمام أعينه.
تَطوُّرٌ إجراميٌّ
الخبير العسكري لواء معاش محمد عجيب، قال إن الحصانات مسألة منصوص عليها في القانون لعمل رجل الشرطة، ولا بد من توفر حصانة، وإذا لم تتوفر له لا يستطيع العمل، وكذلك القوات النظامية الأخرى، لافتاً في حديثه لـ(الصيحة) إلى أنّ الجريمة تطوّرت بجانب السيولة الأمنية، لذلك لا بد من توفر الحصانة والحماية، فلا يُمكن منح الشرطة سلاحاً دون حصانة، فمنطقي جداً أن تكون هناك قوانين تحكم العمل ليس حصانة مطلقة، ولكن في حدود أداء الواجب، فلابد من قوانين تُنظِّم العمل، لافتاً إلى أن الحماية القانوية تؤثر تأثيراً كبيراً جداً لا يستطيع القبض على المُجرم، ولا يستطيع مكافحة الجريمة حتى لا تقع، ولا يستطيع عمل شيء، وفي حالة عمل شيء يستطيع القانون أن يُدينه، وإذا لم تتوفّر حماية يتم إطلاق اليد على الخارجين عن القانون.
إصلاحٌ جوهري
ذهب عميد شرطة معاش في حديه إلى حتمية وضع إدارة الشرطة رؤية شاملة لإصلاح جوهري يمس القوة الشرطية ابتداءً من الحصانات، وصولاً إلى تحسين الوضع المعيشي في ظل الظروف التي تمر بها البلاد من غلاء طاحن ومُعالجة الثغرات، ولفت إلى أنّ تحسين الأجور يُعد من الأولويات أيضاً وفق موازنة الدولة، فالكل يجب أن يدرك دوره بعد سُقُوط النظام وهو يختلف تماماً في ظل نظام ديمقراطي جديد يمنح حق الحرية والتعبير، وتعتبر هي أحد أذرع إنفاذ القانون وإحدى مؤسسات الدولة، ولا بد لبناء شرطة قومية مهنية مُستقلة، ومنح الثقة للشرطي لتنفيذ القانون على الكل، وتحقيق العدالة أياً كان شكلها، ومُحاربة الفساد والمحافظة على هَيبة الدّولة.
تقرير- آثار كامل
صحيفة الصيحة