الأخ الدكتور عبد الله آدم حمدوك، أنت جئت إلى رئاسة وزارة الفترة الانتقالية محمولاً على أكتاف الثوار والجماهير وليس على أكتاف الأحزاب، لأنّ أغلب الثوار كانوا أبناء السودان من دُون أيِّ انتماءات حزبية وهم فعلاً ينشدون تغييراً إلى نظام ديمقراطي وحياة كريمة ومستقبل مشرق وأفضل ومعيشة هانئة، وأنت لا تملك إرثاً نضالياً، لا دخلت السجن ولا تعذّبت في الإنقاذ ولا شُفت بُيُوت الأشباح ولا أكلت جبنة بالشطة ولا جلست أرنب نُط، ولست من أسرة دينية أو قبيلة كبيرة، ولذلك ليس لديك رصيدٌ في البنك الطائفي أو من العشائر الكبيرة في السودان، ولست زعيماً لقبيلة كبيرة أو ابناً لزعيم حوله حرسٌ قبليٌّ كبيرٌ، ولم تكن معروفاً في السودان قبل أن يُرشِّحك المؤتمر الوطني لحقيبة المالية. ولذلك رصيدك الشعب الثائر الذي خرج في ديسمبر يطلب التغيير والخارج من دوائر مُختلفة، ولذلك مفروضٌ أن تحافظ على الشعب الثائر الذي اتى بك لكرسي الوزارة وتكمل المطلوبات الأخرى بالعلاقات الخارجية، وأول مطلوبات ذلك أن تُحقِّق إجماعاً وطنياً يساعدك في مهمة الانتقال، وان لا تشغل نفسك بأحزاب رصيدها الجماهيري صفرٌ، أغلبها في كل تاريخها لم يحصل على مقعد نيابي واحد في كل برلمانات السودان في الفترات الشمولية والديمقراطية.
هذا المدخل مهمٌ لما أود أن أسس له في هذا المقال.
إن أمر شرق السودان قد استفحل وهو ذاهب إلى التصعيد، وذلك من خلال تصريحات الناظر تِرِك وقادة الشرق، بل إن مجموعات تحالفات تكوّنت من الشمال والوسط وكلها تحمل نفس المعاني والمدلولات، التي يتحدّث بها قادة شرق السودان، وقد تتبعها أقاليم أخرى.
وشرق السودان هو حلقوم السودان الذي يعيش به ويتنفّس به. وإذا تم قبض هذا الحلقوم مات السودان. ولذلك أعتقد أن التصعيد الذي يجرى في الشرق الآن ذاهبٌ إلى قفل هذا الحلقوم، وهو بقفل هذا البلف قد قفل الشريان الرئيسي الذي يمرر الدم لباقي الجسم (السودان).
وألاحظ أنكم غير مُهتمين بالبحث عن حُلُولٍ، وكانت مطالب أهل الشرق محدودة وهي إلغاء مسار الشرق والبحث عن حلٍّ لقضية الشرق يشرك الجميع، ولكن تقاعستم عن الحلول حتى رفع سقف المطالب إلى مطالب قومية، من بينها ذهاب الحكومة وحل لجنة التمكين وغير ذلك، وواضحٌ انّ نبرة التصعيد والمُواجهة هي المطروح في الساحة، وليس في ذلك مصلحة للسودان ولا للفترة الانتقالية ولا لحكومتك ولا حاضنتها السياسية الضعيفة، ولذلك الإشارة الخضراء تقول السعي السريع إلى حلول عاجلة اليوم قبل الغد لقضية شرق السودان، ومازالت القضية في مرحلة الشرارة لم تكن ناراً حتى الآن، ولكن غداً ستكون نار (بنزين) ونار (وتاب) تحرق الأخضر واليابس، بمعنى أنها تحرق كل الوطن (السودان)، والأمر لا يحتمل الفهلوة أو الاتّهامات، هؤلاء فلول وهؤلاء النظام المُباد، لأنه تجاوز كل ذلك إلى الخطر، الأمر محتاج لعلاج عاجل يرضاه أهل الشرق.
أخي د. حمدوك انتبه، نار الشرق الآن في قبة قميصك، وغداً ستحرق جسدك وهو الوطن، ولن تقف عند قميصك وهو حكومتك وحاضنتها السياسية.. مطلوبٌ حراكٌ عاجلٌ نحو حل قضية الشرق، ويلحظ المرء أن هنالك شبه إجماع من الشرق حول قضيتهم، ويتضامن معهم الشمال والوسط، على أقل تقدير إن لم يكن كل السودان، وأهل الشمال والوسط والشرق لديهم مَخَاوِفَ كبيرة من اتفاقية جوبا وتحديداً المسارات (وأنا حكمت الشمال وأعلم خطورة الموضوع الآن بالنسبة لهم)، وما توحدوا في قضية قط مثل توحُّدهم الآن، وهم الآن في تحالف واحد وهو تحالف شعبي أخطر من حمل البندقية، ولذلك أعتقد، أنّ أمر الشرق يحتاج لحلٍّ عاجلٍ ليس بين يدي مُستشاريك ولا مجلس وزرائك ولا حتى الحاضنة السياسية، حل بتحرُّك شخصي منك واتخاذ قرار شجاع يُجنِّب البلاد مَهلكة قادمة لا محالة.
ما زلنا في مرحلة الإشارة الخضراء، يمكن تدارك الأمر فيها.
غداً سندخل مرحلة الإشارة الحمراء وعندها لا ينفع الندم وخيارات الشرق والشمال كثيرة.
وقديماً قِيل النار من مُستصغر الشرر.
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد
صحيفة الصيحة