(1)
البعض ينظر إلى كتاباتنا الناقدة للحكومة الانتقالية – أنها قفز من القطار.
القطار الذي كان (الإعلام) كله بعد سقوط النظام يعمل للحاق به ويدعي الركوب فيه والدفاع عنه.
واضح للناس من ينتقد الحكومة الانتقالية من أجل الإصلاح ومن أجل الثورة ومن ينتقدها من أجل أجندة تخدم النظام البائد.
الذين فقدوا مخصصاتهم التي كانوا يتمتعون بها في العهد البائد – ليس مكان ثقة لانتقاد الأوضاع الآن حتى وإن تحدثوا عن (الفساد) – وذلك لأن (الحرمان) الذي عاشوه الآن والامتيازات (الشخصية) التي فقدوها هي التي تدفعهم لذلك.. وليس الحرب على الفساد… مؤسف أن يكون انتقاد الفساد هو في حد ذاته فساد!!
والبعض الآخر ينظر إلى كتاباتنا (شامتاً) وهو يحسب إلى ما انتهينا إليه من (إحباط) ومن أوضاع كنا نبشر بها وأصبحنا ننتقدها الآن.
وهناك من يستغل هذه الآراء في أجندة خاصة – وهو يأتي بها على مثال (وشهد شاهد من أهلها).
(2)
الحقيقة أننا لا نضع اعتبارات لكل هذه (التحليلات) ولا نتوقف عندها – لأن أي كاتب يعمل حساباً لذلك وينظر إلى (ردود الأفعال) ويبحث عن (تفسيرات) تكون مرضية له – لا يقدم للناس غير (الزبد).
مع ذلك أحتاج الآن أن أوضح بعض الأمور حتى لا تستغل كتاباتنا لتكون ضد الثورة المجيدة – والتي نحن على استعداد لحمايتها بأرواحنا.
الذين يظنون أن انتقاداتنا للحكومة الانتقالية هي محاولة للقفز من قطار الثورة – نقول لهم نحن لسنا جزءاً من الحكومة ولا نعمل من أجل أن نكون جزءاً من الحكومة – نحن نقوم بواجبنا (المهني) حتى وإن كان ذلك يأتي عكس هوانا.
قولوا قولكم هذا للحزب الشيوعي أو لأي جسم كان ومازال جزءاً من (الحكومة الانتقالية) ويعمل الآن لكي (يتملص) من هذه المسؤولية بأن يقفز من القطار – من يفعلون ذلك هم الذين يشغلون مناصب تنفيذية أو هم من الذين استفادوا استفادة (مادية) من الوضع الجديد ويريدون أن يغطوا ذلك بالقفز من القطار عندما شعروا به وهو يمر بمنطقة الخطر.
(3)
أما الذين يمكن أن يشمتوا في انتقاداتنا للحكومة ويتمثلوا بها دلالة للإحباط نقول لهم إننا نعمل على تجسيد شعارات الثورة على الواقع – إذا فشلت الحكومة الانتقالية في ذلك، سوف نعمل على أن نجسد ذلك في الحيز الذي نشغله – نعمل على أن نقدم صورةً من نقد الذات – حتى لا نكون (copy and paste) من إعلام النظام البائد الذي كان يقول عرّابه اسحاق أحمد فضل الله إنه يكذب من أجل الدولة ومن أجل الاسلام الذي يحرس بوابته.
نحن سعداء بهذه الثورة حد الموت.
لن ننافق أحداً ولن نكذب – هذه الدولة إن لم تبن على الصدق والشفافية والمحاسبة والقانون لن تمضي إلى الأمام – مشكلتنا الآن في (النفاق) – ليس (النفاق الإعلامي) وحده – وإنما (النفاق الاجتماعي) الذي أصبح سائداً في السنوات الأخيرة.
النظام البائد جعل الوصول للقمة وتحقيق النجاح لا يتم إلّا عن طريق (النفاق) وتبادل المصالح وما اخترعوا لها مصطلحاً جديداً (كسيّر تلج) حتى يكون ذلك سبيلهم للوصول إلى أهدافهم بصورة فيها شيء من الرشاقة والطرافة.
الفساد أصبح شرطاً أساسياً في العهد البائد حتى إذا كنت تريد أن تستخرج (شهادة حسن وسير وسلوك) من مؤسسة عدلية.
نحن نعمل في وسط إعلامي كان الوصول فيه للقمة لا يتم إلّا عن طريق (الغزل) في السلطة وخلق علاقات مع المسؤولين لتبادل المصالح معهم. مع اعترافنا بأنهم كانوا مع ذلك يمتلكون الإمكانيات والقدرات التي توصلهم لهذه المناصب لكن الطريق إلى ذلك كان يمر من خلال (العلاقات).
حتى (التميز) كان بعيداً عن الشهادات العلمية والإمكانيات والمهارات والخبرات العملية… ليس في الإعلام وحده بل في كل شيء.
لهذا يبقى من الطبيعي أن لا تفهم الانتقادات التي توجه للحكومة من أقلام تحسب لها – لقد أصبحت (العداوة) و(الخصومة) و(الضد) تُعرف عن طريق (الرأي) الآخر – وهو أمر يخضع للمهنية والأمانة والمسؤولية الشخصية.
لا تستطيع أن تشهد لأحد في محكمة بغير ما ترى – وهذا ما نفعله الآن – لن نخدعكم ولن نغشكم – ولكن في نفس الوقت نؤمن أن هذا أفضل وأنفع لكم من أن نصفق وأن نهلل لكم.
أفضل طريق لتقويم الحكومات هو الانتقاد والمواجهة والشفافية وكلمة الحق.
نحن لا نريد قطعة أرض في كافوري من والي ولاية الخرطوم ولا ننتظر مساحةً على شارع النيل في الخرطوم لنزيد من دخلنا (الإعلامي) – لا نحلم بمنصب ولا ننتظر سفرية خارجية لهذا لن نخادعكم .. ولن نصفق لإخفاقاتكم وفشلكم.. سوف نعمل من أجل الانحياز للثورة بالطريقة التي نفهمها ونحترمها وليس بالطريقة التي تحكمون بها البلاد.
(4)
أما من يعتبر أن انتقاداتنا للحكومة الانتقالية هي شهادة عليها – فإننا نقول له بل هي شهادة له – فمع كل الذي يقال – ها نحن ننتقد حمدوك والبرهان وحميدتي .. ولا رقيب ولا إيقاف من الكتابة.
في العهد البائد كان إذا تحدثت عن فساد رجل يقرب للبشير من الدرجة الـ (120) لاعتبرت أنت الفاسد ولتم إيقافك ومحاسبتك على ذلك.
لقد وُجهت لعدد كبير من الزملاء تهماً من نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة وقالوا إن هذه التهم تصل العقوبة فيها لحد الإعدام – بسبب الكتابة عن شهداء الثورة في بداية الحراك.
هل تتخيلون أن الترحم على الشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل الوطن في قناة النيل الأزرق وقناة سودانية 24 الخاصة كان يوقف المذيع من العمل حيث يتم استدعاؤه من جهاز الأمن والمخابرات للتحقيق معه على (ترحمه) على (الشهيد) الذين كانوا يقيمون له (عرس الشهيد) إن كان منهم.
شهداء هبة سبتمبر 2013م كانوا يصفونهم بـ(شذاذ الآفاق) و (الخونة) – يحدث ذلك من مسؤول كان يسمسر في العملات الصعبة وهو (رئيس جمهورية).
كانوا يقولون عن الذين خرجوا للشارع وفتحوا صدورهم للرصاص وأعلنوا أن مواكبهم عند الواحدة بعد منتصف النهار (مندسين).
من يقولون ذلك هم الذين أخفوا أنفسهم وهربوا من البلاد وفروا من المحاسبة.
(5)
بغم /
هذه الثورة سوف تعبر وسوف تنتصر.
ولكن ليس بالنفاق أو السكوت أو التطبيل أو المبادرات.
المطبات والأزمات التي يتعرض لها الشعب ..لن يتم تجاوزها بالمسكنات والمهدئات.
لقد واجه شهداء الثورة المجيدة بصدورهم وهي مفتوحة رصاص ومليشيات النظام – فلماذا تضيق صدوركم الآن من كلمات الحق والنقد؟
صحيفة السوداني