(1 )
عندما شرع النميري في تطبيق الحكم الإقليمي أصر أهل دارفور أن تكون ولايتهم إقليماً قائماً بذاته وليست مكملاً لكردفان في الإقليم الغربي، فاختار الطيب المرضي حاكماً لدارفور فوقف أهل دارفور وقفة رجل واحد ضد هذا الاختيار لأنهم يريدون أن يكون حاكمهم واحداً من أبنائهم فرضخ النميري على مضض لهذه الرغبة فعين أحمد إبراهيم دريج الذي كان قد سطع نجمه في الديمقراطية الثانية عندما اختاره الصادق وزيراً للمالية، ثم زعيماً للمعارضة فاستقبله أهل دارفور استقبالاً خرافياً أذهل حتى النميري نفسه، وبما أن طبيعة نظام نميري كانت عسكرية، ودريج قادم من خلفية ليبرالية كان الخلاف بينهما أمراً حتمياً، ولكن القشة التي قسمت ظهر البعير كانت حدوث المجاعة مع تولي دريج للإقليم فأصر على إعلان دارفور منطقة مجاعة لاستقطاب العون العالمي، ولكن النميري رفض ذلك، فما كان من دريج إلا أن غادر السودان دون حتى استئذان من النميري وترك دارفور بدون حاكم.
(2 )
مناسبة هذة الرمية هو أن الاستقبال الخرافي الذي أقامه أهالي نيالا في الأسبوع المنصرم لمني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور في الأسبوع المنصرم فقد أعاد للأذهان استقبال الفاشر لدريج قبل حوالي الأربعة عقود، ويبدو أن مني نفسه فوجئ بهذا الاستقبال بدليل أنه قد ذرف الدمع سخياً، وهو يطل على الحشود من على المنصة العالية، بما أن الشيء بالشيء يُذكر يكون من الطبيعي أن يرجع للأذهان مصير تجربة دريج في دارفور لتجربة مني أركو، وبالطبع هذا ما لا نتنماه، فمن القلب نتمنى أن يترجم مني هذه الوقفة الجماهيرية الهائلة إلى رصيد سياسي ينفقه في تنمية وترقية دارفور التي أضناها المسير، وهي تحاول التسامي فوق جراحها، وتعويض ما فاتها منذ اندلاع الحرب الأهلية فيها 2003.
(3 )
لقد أصبح مني أركو والياً لإقليم دار بموجب اتفاقية سلام جوبا، وبالتالي يمكن اعتباره والياً انتقالياً إلى حين اكتمال مؤسسسات الحكم الإقليمي في البلاد، ومجيء الولاة بالانتخابات ولكن استقبال نيالا الحاشد أعطى مني أركو مشروعية جديدة، وإن شئت قل إضافية، ثم ثانياً أن ذلك الحشد الجماهيري في مدينة نيالا تحديداً وليس الفاشر أو أي مدينة أخرى فإنه يعني أن ثنائية (عرب/ زرقة) في دارفور ليست راكزة، وهذة عقبة يكون مني تجاوزها قبل أن يبدأ فترة حكمه الفعلية، ثالثاً هذا الحشد يجمع بين العفوية بدليل دموع مني أركو نفسه، وبين الصناعة بدليل كثرة العربات والجمَّالة والخيالة (ممتطي الجمال والخيول) وهذا يشي بأن هناك تحالفاً فعالاً قد تبلور ويدعم ذلك ظهور بعض الأصوات ضد والي الولاية، فحتماً هذا أمر مصنوع السند الجماهيري سواء كان تلقائياً أو ناجماً من تحالف فهو خير معين لمني في تنفيذ برنامجه، الذي هو دون شك لحمته وسداه تنمية إقليم دارفور أو هكذا يفترض.
(4 )
إن استقبال مني أركو في نيالا مقروءاً مع استقبال دريج في الفاشر قبل عدة عقود يدل على أن أهل دارفور لديهم أشواق حقيقية ليحكموا بواسطة أبنائهم، وأنهم قد سئموا ترك أمرهم لناس الخرطوم، وهذا يهزم فكرة صراع المركز والهامش، بعبارة أخرى على حاكمهم أن ينظر إلى ما حوله في الإقليم وليس إلى الخرطوم، فإذا تجاوز مني ثنائية عرب وزرقة، والمركز والهامش، يكون قد تبقى له متلازمة سلام / تنمية فقط.
صحيفة السوداني