من المنتظر فتح التجارة والمعابر الحدودية بين السودان ودولة الجنوب، في الأول من أكتوبر المقبل، تنفيذاً لما اتفق عليه البلدين عقب زيارة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الى دولة جنوب السودان مؤخراً، اتفق خلالها مع الرئيس سلفا كير ميارديت على أهمية فتح المعابر الحدودية واستئناف حركة التجارة بين البلدين.
تجارة مهمة
وحينها اكد وزير التجارة والتموين علي جدو، أهمية التجارة بين السودان ودولة جنوب السودان لتعود بالمنفعة للدولتين باعتبارها الداعم الأساسي للاقتصاد.
وناقش الطرفان، الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون في مجال التجارة، وتجارة الترانزيت، واكدا على ضرورة إخضاع هاتين الاتفاقيتين لمزيد من التداول توطئة لتوقيعهما بين البلدين.
كما اشار مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك الى تكوين لجان للخروج برؤية مشتركة سيوقع عليها الرئيس سلفاكير ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك تشمل البروتوكولات التي تضبط الحركة التجارية بين البلدين. وقال وزير التجارة والاستثمار بدولة الجنوب ديو ماتوك دينق إن فتح الحدود بين البلدين هو أحد القضايا الرئيسية، واضاف (يجب فتح الحدود بين السودان وجنوب السودان لتنشيط التبادلات التجارية، وإن هناك قضايا تتعلق بإنشاء المناطق الحرة، والتي من المفترض أن تكون على حدود الولايات الحدودية بحيث تسهل التجارة).
وأضاف: (هناك قضايا تتعلّق بافتتاح بنوك تجارية سودانية في جنوب السودان وهذا ستتم مناقشته بين بنك السودان المركزي وجنوب السودان لمعرفة كيفية تنفيذه من خلال اللجان المشتركة.
فوائد ومحاذير
وسبق ان قررت الحكومة السودانية في العام 2028م فتح المعابر الحدودية مع دولة جنوب السودان والبالغ عددها تسعة معابر، الا انها لم تُفعّل لعدم وجود ضوابط وقوانين تحكم التجارة، بجانب عدم استقرار الولايات الحدودية.
تنمية الشريط الحدودي
ويقول البعض إن فتح المعابر يعمل على استقرار واستغلال الموارد بين البلدين خاصةً الشريط الحدودي الغني بموارده من الثروة الحيوانية والزراعية والذي يقدر عدد سكان ولايات التماس بحوالي 7 ملايين نسمة تحتاج الى استغلال حقيقي عبر توظيف الأيدي العاملة هناك.
ومنذ ان قررت الحكومة السودانية في العام 2012م اغلاقا تاما للحدود مع دولة جنوب السودان لم تنتظم الحركة التجارية، ووصلت العلاقات بين الخرطوم وجوبا الى انهيار شبه تام قبل ان تغرق دولة جنوب السودان في المشكلات.
وعزز اغلاق الحدود بين دولة السودان وجنوب السودان، من اعتماد المستوردين والتجار على ميناء “ممبسا” الكيني الذي يُورِّد لأسواق جوبا المنتجات، ليصبح بذلك المنفذ الوحيد لجنوب السودان نحو الخارج، بينما تضخ أوغندا منتجاتها المحلية من الفاكهة والخضروات التي تنتجها بغزارة وتجد صعوبة في تصريفها داخل أسواقها.
اعتماد جنوبي على الخارج
وأظهرت الإحصاءات الرسمية التي صدرت في أوغندا أن ما يتجاوز نسبة 45% من صادراتها للخارج تذهب إلى جنوب السودان، في مقابل اعتماد ما يفوق 60% من أسواق جنوب السودان على السلع الغذائية والخضروات والفواكه الواردة من أوغندا.
وظلت دولة جنوب السودان التي تمتلك أطول حدود “ألفي كلم” والمصنفة ضمن الدول المغلقة لا تملك منفذاً بحرياً، ولكن الدولة الوليدة ظلت تعتمد على أكثر من 50 سلعة سودانية، الأمر الذي جعل من اغلاق الحدود اكثر كارثية ومحفزاً لتهريب السلع والبضائع.
تأثير سلبي
وأثّر إغلاق المعابر الحدودية بين البلدين سلباً على الخرطوم وجوبا وخلف آثاراً اقتصادية مازالت تلقي بظلالها على الشعبين برغم ان مبررات الخرطوم كانت دائماً ما تلقي باللائمة على العاصمة جوبا وايوائها لبعض الحركات المتمردة والذي حال دون فتح المعابر الحدودية مؤثراً على الحركة التجارية بينهما.
رفع التبادل التجاري
وتوقع خبراء اقتصاد أن ترتفع عائدات التبادل التجاري السنوي بين السودان ودولة جنوب السودان إلى 2 مليار دولار، ووصفوا قرار فتح الحدود بالجيد في الوقت الذي تعاني منه الدولتان نقصاً في الغذاء رغم ان الثقافة الغذائية بين الدولتين واحدة، كما ان الخطوة من شأنها تحقيق مفهوم التكامل بين الجارتين.
ويقول مختصون إن التعامل التجاري وفتح الحدود يشجع الصناعة الوطنية وله آثار اقتصادية واجتماعية وامنية، خاصة وان الحدود مع الجنوب تبلغ 2300 كيلو متر، كما ان التبادل التجاري يعمل على امتصاص البطالة في البلدين.
كثيرون يرون أن عناصر التقارب بين جوبا والخرطوم اكبر تتمثل في وجود وسائل نقل برية ونهرية وجوية، ما يعني سهولة الانتقال وتسهيل التجارة البينية وتبادل السلع والخدمات بين السودانين.
160 سلعة سودانية بأسواق الجنوب
وتعتمد دولة جنوب السودان على أكثر من 160 سلعة من السودان، وظلت هنالك حركة تهريب كبيرة لهذه السلع إلى الجنوب عبر البر باستخدام السيارات والدواب.
ويرى مراقبون أن فتح الحدود واستئناف التعاون الاقتصادي بين الدولتين، يحقق مكاسب اقتصادية لا غنىً عنها لأي من الطرفين، ويشيرون إلى أن أهم الضرورات التي تستوجب التعاون الاقتصادي بين الطرفين هو تحقيق معدلات نمو تضمن تحسن المستوى المعيشي المتدهور، فضلاً عن اعتماد الجنوب على السلع الاستهلاكية السودانية، والتي تعتبر جزءاً من ثقافته الاستهلاكية.
كما أن هنالك عوامل قد تُساعد في تحقيق التعاون الاقتصادي والتبـادل التجاري بين الدولتين مثل الجوار الجُغرافي الذي يعتبر نقطة قوة للتعاون الاقتصادي بعد الانفصال، حيث تتوفر وسائل النقل التي تربط بين الدولتين سواء كانت برية أو نهرية أو جوية مما يعني سهولة الاتصال مما يسهل التجارة البينية وتبادل السلع والخدمات بين الدولتين.
ويقول الاقتصادي بابكر إسحاق، ان جميع مواعين النقل بالسودان جاهزة لمد دولة الجنوب بجميع السلع الغذائية والدوائية والملبوسات خاصة وأن هناك مطالبات من التجار بدولة الجنوب لمدهم بالسلع كافة، ولكن يجب ان تكون السلع المصدرة من السودان الى دولة الجنوب من السلعة المنتجة محلياً، على أن تستثني السلع المستوردة من الخارج كالسكر والدقيق والزيوت والمحروقات، واوضح ان السلع التي سوف يتم التبادل فيها لن تجد صعوبة في التسوق، وطالب بأهمية وجود مواعين ومنافذ كثيرة منها المصرفي والجمركي لتسهيل العملية التجارية وكذلك تأمين الطرق البرية والنهرية والجوية وتسهيل الإجراءات بإبرام اتفاقيات في مجالات النقل بكل أنواعه وإنشاء بنوك وطنية تعمل في الجنوب عبر اتفاقية بين البنكين المركزيين في السودان وجنوب السودان وتأسيس عمل الجمارك والمواصفات باعتبارها البنى التحتية المهمة.
ضوابط لتجارة الحدود
وقال الاقتصادي التوم بابكر، إنَّ خطوة فتح المعابر تهدف الى تمتين العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكنه يرى أهمية وضع اتفاق واضح حتى لا تهزم السياسات، وقال ان دولة جنوب السودان تحتضن بداخلها جنسيات كثيرة تعمل في المجال التجاري وفتح المعابر ربما يتيح لهم إدخال سلع غير مرغوب فيها الى جانب العابرين للسودان.
ويقول إن المعابر يجب ان تكون من اجل الانتاج الجنوبي وليس المستورد حتى لا يصبح السودان مكباً لسلع كثيرة، الأمر الذي يتطلب اجهزة مختصة بتجارة البشر والعملة وفقاً لقوانين تضمن دخول السلع عبر إجراءات جمركية وصحية، وأضاف: يجب ان تكون هنالك مؤسسات مصرفية وجمركية ومواصفات لمصلحة البلدين في سلع مسموح بها حتى لا تكون فرصة لسلع محرمة او غير قانونية، ويجب عمل ضوابط تقصر التجارة بين المنتج المنشأ محلياً وليست مستوردة حتى لا تكون فرصة لبعض التجار المُغامرين من دول أخرى.
وابدى التوم تفاؤلاً بالخطوة، وقال هنالك اكثر من 160 سلعة سودانية مطلوبة، من بينها سلع هامشية بولايات متاخمة لدولة جنوب السودان وهي فرصة لرجال الأعمال لتصدير السلع. كما ان هنالك منتجات غابية وسلعا حيوانية يمكن ان تكون بداية لتوقيع مذكرات تفاهم بين الرعاة والمزارعين، واعتبرها فرصة للاستفادة من العمالة في مواسم الحصاد، مع ان فتح المعابر يعد فرصة لتحسين دخول المواطنين في الولايات الجنوبية المقابلة لولايات السودان، مشيراً الى وجود صناعات سودانية من البسكويت والزيوت والحلوىات تعزز من قيمتها وتكون بداية لنهضة صناعية تزيد من حجم السوق تتطلب من أصحاب الأعمال الوصول الى صيغ وتفاهمات مشتركة.
وطالب التوم بالحرص على ان تقابل هذه التجارة عملة حرة حتى لا تذهب اي سلعة دون إجراءات مصرفية وقانونية، وقال: يجب ان نحصر تجارة الحدود في السلع ذات المنشأ الوطني عبر قوانين تحكمها.
وتمنى أن تواجه الدولتان تلك الاجراءات بالاهتمام بالتدريب والاستعانة بتجارب دول سابقة في هذا المجال وعمل تصور كلي عبر منظمات عالمية واقليمية حتى تستمر تجارة المعابر وفقاً لرؤية مستقبلية سياسياً واقتصادياً على أسس سليمة ومقتبسة من تجارب الآخرين.
ويرى المختص في شؤون الجنوب ديفيد دبشان انه من الجيد فتح الحدود بين البلدين، متمنيًا استقرار الأوضاع في المناطق الحدودية، مشيراً إلى العادات والثقافات والامزجة في الطعام تكاد تكون متقاربة، إضافةً إلى الثقة الكبيرة من المواطن الجنوبي تجاه المنتجات السودانية، ولكنه يرى ان اتساع رقعة الحدود بين البلدين يتطلب حماية مشتركة من الدولتين، مؤكدا ان الاقتصاد في دولة الجنوب يعانى انهياراً، كما ان العملة الجنوبية اصبحت لا قيمة لها وتحتاج الى عقود من الزمان حتى تتمكّن من التعافي.
استيراد متزايد
يؤكد الناشط السياسي الجنوبي استفن لوال، ان جنوب السودان تستورد تقريبا كل شيء من السودان، بدءاً من الأسمنت وانتهاءً بالحلويات، وقال ان دولة الجنوب تستورد كميات كبيرة من الأدوية والمستحضرات الطبية ذات الجودة العالية من السودا،ن وذلك ان الادوية الواردة من دول شرق افريقيا عادة ما تكون غير مطابقة للمواصفات او منتهية الصلاحية او رديئة، وان المواطن الجنوبي يثق في المنتجات السودانية ويفضلها عن غيرها من المنتجات، وارجع لوال تفضيل المواطن الجنوبي للمواد الغذائية السودانية الى تقارب المزاج الشعبي والعادات الغذائية المشتركة بين الشعبين، وذلك ان كلا الشعبين يتناولان ذات الانواع من الأطباق ومكوناتها، فضلاً ان عددا كبيرا من الجنوبيين تربى وعاش في السودان، كما ان السلع التي يتم تهريبها عبر الحدود تشكل خسارة كبيرة للبلدين.
المختص في الشأن الجنوبي دينق ليل، قال ان السلع السودانية سوف تنافس في اسواق جوبا اكثر من السلع الافريقية، لذا فإن المستقبل للسودان ولكنه ينادي بكونفدرالية اقتصادية لان ثقافة شعب الجنوب “سودانية” وتلقائياً سوف يتحسن الوضع الاقتصادي.
ويقول دينق: هنالك مشاريع مشتركة ونسعى الى تنفيذ صناعات بخبرة سودانية حتى في التجارة الدولية والموانئ، خاصة وان الجنوب ليس لديه اي منفذ بحري، ولكن المستقبل يتطلب ربط عبر السكك الحديد بين البلدين، لان دولة الجنوب تنتج ذهبا ومعادن وثروة حيوانية وغابية ونسعى الى تصدير الفحم عبر ميناء بورتسودان، ولذا فإنّ السودان هو الأقرب الى الجنوب، وأبدى أمله في أن تعمل الحكومة على تمتين العلاقات بين البلدين وفتح ملف الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة وتصدير النفط والحريات.
الخرطوم- جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة