للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
* قبل أيام من الآن كتب الزميل الصديق الطاهر ساتي مقالاً بعنوان (عباس فِكرة)، تطرق فيه إلى تحقيقٍ نشرته إحدى الصحف، وتعلق بمبيدٍ فاسدٍ وزعته شركة الأقطان في مشروع الجزيرة، وذكر أن شخصاً اسمه (عباس) كان يرأس مجلس إدارة الشركة التي استجلبت المبيد، و يرأس اتحاد المزارعين الذين أضر بهم المبيد، ويعمل عضواً نافذاً في مجلس إدارة المشروع الذي وزَّع المبيد، وعضواً نافذاً في مجلس تشريعي الولاية التي تأثر زرعها بالمبيد، ويشغل منصب أمين أمانة الزراعة بالحزب الحاكم والمسؤول عن محاسبة الجهاز التنفيذي على جريمة المبيد الفاسد!
* انحصرت فكرة المقال في انتقاد ظاهرة تجميع الصلاحيات والمناصب بأيدي أفراد، وما ينتج عن تلك الظاهرة غير الحميدة من فسادٍ ماليٍ وإداريٍ ومؤسسيٍ، وتلاشٍ تام لمبدأ المحاسبة على الأخطاء.
* أقول للطاهر إن عباس فكرة في نفسه (فكرة)، والأفكار (السيئة) لا تموت!
* يتربع السوبرمان عبد اللطيف عثمان محمد صالح على قمة أربع من أكبر المؤسسات الاقتصادية في الدولة.. ذلك ما ظهر من أمره.. ولا ندري ما بطن، عطفاً على ضخامة وتعدد وثراء المؤسسات التي يقودها، ولا ندري كيف يجد الوقت الكافي لإدارتها جميعاً.
* يتمثل عباس الجديد سيرة (أبوكم مين)، فالرجل- بسم الله ما شاء الله عليه- يقول لنا ضمنياً أنه مسئول عن حل كل مشاكلنا، وملزم بتوفير كل احتياجاتنا بحنانٍ زائد، وأبوةٍ غامرةٍ للشعب السوداني الفضل.
* يستورد لنا عباس فكرة (النسخة الانتقالية) عبر المحفظة البنزين والجازولين اللذين نسيِّر بهما مركباتنا، وننقل بهما بضائعنا، ويستجلب لنا الغاز الذي نطبخ به طعامنا، والفيرنس الذي نشغّل به محطات كهربائنا، ويفتح لنا اعتمادات الأدوية التي نعالج بها مرضانا، ويستورد لنا القمح الذي نأكل منه خبزنا، ويصدِّر الذهب الذي يمثل أغلى وأهم ثرواتنا إلى الخارج.
* الصندوق الاستثماري الذي يتربع السوبرمان على قمته يبسط هيمنته على عدد كبير من البنوك، منها بنك البلد، والبنك الفرنسي السوداني، والبنك السعودي السوداني، وبنك الجزيرة الأردني، وقائمةً تصل في مجملها إلى 12 بنكاً في السودان.
* عبر تلك البنوك يحفظ السوبرمان أموالنا وأسهمنا وودائعنا واستثماراتنا وقروضنا، مثلما يتولى معالجتنا من أسقامنا، لأن الصندوق الذي يديره يمتلك ويدير مستشفى شرق النيل، ومستشفى مروي، ومستشفى الضمان الاجتماعي بالأبيض.
* السوبرمان مسئول كذلك عن عشرات الشركات التي يمتلكها الصندوق الثري، ومنها شركة سودابوست، ومصنع عين للمحاليل الوريدية، ومصنع أفاميد للحقن، ومصنع أسمنت بربر، ومصنع التكامل للأسمنت، وصالة عطبرة للأثاثات.. وغيرها كثير.
* بأبوته الحنونة وقلبه العطوف يشرف سوبرمان السودان الجديد على توفير السكن لأهلنا، لأن الصندوق الاستثماري يمتلك أراضٍ وعقاراتٍ لا حصر لها، وأبراجاً ضخمةً في العاصمة والولايات، منها البرج الذي اشترته الشركة السودانية للموارد المعدنية بخمسين مليون دولار، وأثار عاصفةً من الاحتجاجات على مديرها مبارك أردول.
* لضرب مثل بسيط عن الإمبراطورية المالية المتضخمة للصندوق الذي يقوده عباس فكرة بنسخته الانتقالية نذكر أنه يمتلك عشرات الآلاف من القطع السكنية، بمخططات كاملة، وبالتالي فإن السوبرمان أصبح مسئولاً بطريقةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة عن توفير السكن لملايين السودانيين.
* السوبرمان مسئول كذلك عن طريق المحفظة الزراعية التي يرأسها عن استيراد الأسمدة (عبر زبيدة ذات الفساد) والتقاوى والمبيدات والآليات وكل المدخلات الزراعية لسبعين في المائة من السودانيين الذين يمتهنون الزراعة حرفةً لهم.
* بعظمة لسانه ذكر صاحبنا المتوتر أن حجم أعمال محفظة السلع الاستراتيجية يقدر بأكثر من مليارين ونصف المليار دولار، كما قدَّر رأس مال المحفظة الزراعية بأربعمائة مليون دولار.. وذلك يعني أنه مسئول ضمنياً عن إدارة حوالي ثلاثة مليارات دولار، في اثنتين فقط من المؤسسات العديدة التي يقودها!
* نسأل بكل براءة، هل عقمت حواء السودان عن الإنجاب، كي يتولى شخص واحد كل تلك المسئوليات الجسام، والمناصب المتعددة، وما هي المميزات والمؤهلات الاستثنائية التي توافرت له كي يجمع كل ما جمع؟
* ستزداد مساحة الحيرة والعجب إذا علمنا أن السوبرمان سبق له أن عمل مديراً لإحدى إدارات شركة سكر كنانة، وتم الاستغناء عن خدماته لضعف مردوده، فما الذي جدّ عليه مؤخراً كي ينال كل تلك الحظوة، ويجمع بين يديه كل تلك المناصب المرموقة؟
* أنشطة متشعبة.. شركات وبنوك ومصانع ومستشفيات ومؤسسات ضخمة.. ممتدة السلطات.. متعددة الصلاحيات.. غزيرة الأموال.. لا ينقصها إلا علم ونشيدٌ وطني.. كي تصبح دولةً قائمةً بذاتها، تحمل مُسمّى (جمهورية عبد اللطيف غير الديمقراطية.. الأخطبوطية الاشتراكية العظمى)!!
* آخر كسرة: (الليلة زبيدة إجازة)!
صحيفة اليوم التالي