العيب فينا وفي قادتنا

نحن نستهلك طاقتنا في الاتجاه الخاطيء، نستهلكها في الصراع السياسي، وننسى في خضم انشغالنا بهذا الصراع المصير القاتم الذي نقبل عليه، إنشغالنا بالصراع السياسي ابعدنا عن بناء المؤسسات المنتجة وإقامة المشاريع العملاقة وتدريب الناس ورفع كفاءتهم الإنتاجية، وهذا بالضبط ما قادنا إلى الفشل، وكل يوم نتردى في فشل جديد، ونحن مستغربون ونتسآل: لماذا لا ننهض؟ ماذا فعلنا للنهضة يا هؤلاء؟!

لا تولد الأمم وهي مستعدة للنجاح والنهضة، لا تتطور دولة لأنها خلقت قابلة للتطور، ليس في الأمر جينات ولا سر خطير ولا يحزنون، كل شيء مكتسب، كل امة قابلة للنجاح والنهوض إن هي استخدمت طاقاتها البشرية في التنافس المنتج المحكوم بالقانون، كل دولة قادرة على التطور لو استطاعت بناء مؤسسات إنتاج فعالة وكوادر مدربة ومتعلمة ومتمرسة.

لم تنهض أوربا لأن العرق الأبيض قابل للنهضة، ولم تتخلف أفريقيا لأن العرق الأسود قابل للتخلف، وإنما نهضت أوربا لأنها تجاوزت الصراع العبثي المستهلك لطاقة الشعوب حول قضايا لا تقدم ولا تؤخر، وانطلقت نحو الاستفادة من كل لحظة ومن كل شخص، بينما غرقت أفريقيا في الصراعات والحروب التي لا يعلم معظم الذين يقاتلون فيها لماذا يقاتلون ولماذا يقتلون بعضهم البعض.

التفاوت بين العالم الغني والفقير يظهر كأنما الجغرافيا هي السبب، حيث الدول الغنية شمالا والدول الفقيرة جنوبا، ولكنه مظهر كاذب، فمعظم سكان الجغرافيا الجنوبية حين يذهبون إلى الدول الشمالية يبزون سكانها ويظهرون قدرات عظيمة على التطور والنجاح، والجميع رأى كيف أن أوباما المنحدر من أصول من بلاد الجنوب (كينيا)، وصل إلى منصب الرجل الأول في أعظم دولة في الشمال وفي العالم (اميركا)، ومازال حتى اليوم رغم تقاعده من بين أعظم رؤساء أمريكا.

العيب ليس في لون بشرتنا ولا في مناخنا ولا في تاريخنا، العيب فينا نحن فقط، العيب في قادتنا الذين فشلوا في صناعة التحول الحقيقي في الوطن واستهلكوا الشعب والكوادر في معارك فارغة، وادخلوا البلاد في دوامة مفرغة من الصراع العبثي.

لا معنى للثورة اذا لم تصنع فارقا حقيقيا في ممارسة القادة للسياسة، لا معنى للثورة أن لم تعيد ترتيب الأولويات في الوطن وتنقله من خانة الصراع العبثي العدمي إلى خانة التنافس المنتج والعمل الفعال، لا معنى للتضحية والدماء والحروب اذا مازلنا (نلوك) نفس الاسطوانات المتكررة من قضايا لا معنى لها، كالتهميش والخلاف العرقي والديني، بينما نحن جميعا نعيش في دولة مهمشة، دولة محتضرة.

العيب في المؤسسات السياسية التي نسميها الأحزاب السياسية وهي تعجز عن إدارة الصراع وتغرق في دوامة صراعية انصرافية تهدر وقتها ووقت البلاد الثمين، وتكون المحصلة صفرا كبيرا.

العيب في المؤسسات العسكرية التي تركت وظيفتها الأساسية في حماية الأرض والعرض وتفرغت للسياسة والتجارة والاستثمار.

العيب في المؤسسات التعليمية التي تركت وظيفتها الرئيسية في بناء أجيال مسلحين بالعلوم الحقيقية والمعارف الشاملة والروح التنافسية والابتكارية، وتفرغت لأداء الواجب فقط في إيصال معلومات تعليمية بطريقة سطحية مستعجلة تزيد الطالب حيرة وفراغا.

نهضة الأمة وتطور الدولة تصنعها مؤسساتها السياسية والعسكرية والتعليمية والخدمية، بناء أحزاب سياسية غير صراعية، وقوات مسلحة بعيدة عن السياسة، وتعليم فعال، وخدمة مدنية على مستوى عالي من الجودة والانضباط، يربط بين كل أولئك مؤسسة عدلية قضائية تطبق بلا محسوبية ولا مجاملة حكم القانون ضد كل من يخالف القانون كبيرا او صغيرا عزيزا او وضيعا، هو الطريق الأكيد لنهضة السودان، فهل يعي حمدوك ومن حوله ذلك؟!!

صحيفة التحرير

Exit mobile version