حيدر المكاشفي يكتب: تصويت ضد الأداء الاقتصادي

قبل أيام قليلة افتقدت زميلنا المصمم بهذه الصحيفة معاذ ابراهيم الشهير ب(طاسو)، وعند سؤالي عنه اجابوني بأنه تقدم باستقالته وحزم حقائبه وطار الى مصر يلتمس الرزق عند (المحروسة) ، كما حكى لي الزميل هيثم عبد الرحيم منتج البرامج الاقتصادية بقناة سودانية 24 عن استقالة بعض منسوبي القناة وهجرتهم الى مصر لذات السبب (تردي الخدمات والاوضاع الاقتصادية بعامة)، كما كشفت لي المذيعة الرزينة والرصينة بذات القناة داليا عطا الله عن نيتها للهجرة، وغير هذه الامثلة هناك مئات الالاف الذين غادروا البلاد لنفس الأسباب، بل أن من لم يهاجر ما تزال نفسه تحدثه بالهجرة، وما يلاحظ على هذه الهجرات الكثيفة خاصة لدولتي مصر وتركيا وغيرها، أن معظم المهاجرين من الشباب وغير قليل من الأسر التي باعت منازلها وأملاكها، والملاحظة الاخرى ان هؤلاء الشباب المهاجرين كانوا أصحاب مهن ووظائف هجروها ليهاجروا بعد ان عجزوا عن توفير أبسط الاحتياجات بسبب العجز الكبير بين ما يتقاضونه من مرتبات والارتفاع المهول للأسعار والخدمات، هذا طبعا غير العاطلين الذين لم تتوفر لهم حتى هذه الوظائف بمرتباتها الهزيلة، وليست هناك دلالة على الحصاد المؤسف الذي بلغه الأداء الاقتصادي بل والأداء الحكومي في مجمله، أبلغ من مشهد هؤلاء المهاجرين الذين يتزاحمون بالمناكب أمام بوابات السفارات، وهذه بلا شك قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر تحت أية لحظة انفجارا مدويا، خاصة وأن هناك أعداد مهولة أخرى ستنضم تباعا الى الجحافل العاطلة، هذا غير ما يمكن أن تجره في الأثناء العطالة والفراغ من مشكلات جمة أخلاقية وجنائية على ما تنؤ به الشوارع من تفلتات امنية وتحتشد به سجلات الشرطة، ومعادلة العلاقة الطردية بين العطالة والجريمة تقول كلما زادت أعداد العطالة ومن لا يستطيعون توفير قوت يومهم، ارتفعت نسبة الجريمة وهذا أكبر مهدد اجتماعي وشيك، يتطلب ادراكه بأعجل ما يكون، ولا يكفي التعامل معه فقط عن طريق القوة الأمنية المشتركة المشكلة مؤخرا..
ان هذه الهجرات الكثيفة هي بلا شك تصويت صامت ضد الأداء الاقتصادي للحكومة، ومن شاكلة هذا التصويت الصامت والاحتجاجي، أذكر تلك الواقعة الحقيقية التي حدثت ابان النظام المخلوع الذي أورث البلاد كل هذه التركة الثقيلة من التردي والانهيار الذي ضرب كل شئ، كان ذلك حين تزاحم بالمناكب أكثر من ثلاثة الاف خريج على السفارة القطرية للتقديم لأربعة فرص عمل فقط أعلنت عنها دولة قطر، وكل هذا العدد المهول من المتزاحمين كانوا يمثلون فقط حملة مؤهل جامعي في تخصص وحيد، ولك بعد ذلك أن تقدر حجم العطالة الفاشية في أوساط الشباب والخريجين من عشرات التخصصات الأخرى، هذا غير من تركوا الدراسة من المرحلة الثانوية وغيرهم من الشباب العاطل التي تسبب فيها النظام البائد..صحيح أن التركة ثقيلة و(الوجع راقد)، ولكن المعالجة التي انتهجتها الحكومة موجعة ومؤلمة خاصة فيما يلي معاش الناس وعلاجهم وتعليم ابناءهم، وما يزيد الوجع أنهم لا يدركون سقفا زمنيا معلوما لتجاوز المحنة يعينهم على الصبر والتحمل، ولهذا آثروا الهجرة مضطرين..

صحيفة الجريدة

Exit mobile version