تنتظم الخرطوم وموسكو هذه الأيام حركة دوؤبة تُعنى بالتحضير لانعقاد الدورة التاسعة للجنة التشاور السياسي بين وزارتي الخارجية في البلدين والمقرر لها أن تنعقد في العاصمة الروسية موسكو في سبتمبر الجاري، ويبدو أن السودان بعد الجمود الذي اكتنف ملف سد النهضة وانشغال أديس أبابا بملفات شأنها الداخلي الناجم عن التوترات الأمنية داخل أقاليمها يسعى وعبر اللجنة السياسية المشتركة المرتقبة, لإعادة إحياء ملف السد ودفع موسكو بحكم علاقات مع الدولتين وبموجب ثقلها داخل مجلس الأمن الدولي وثقلها الدولي والإقليمي أن تلعب دورًا إيجابياً يفضي للوصول لحل يرضي الأطراف الثلاثة.
وفي هذا الصدد بعث السفير محمد شريف عبد الله وكيل وزارة الخارجية برسالة خطية إلى رصيفه الروسي السفير ميخائيل بوغدانوف نائب وزير خارجية روسيا الاتحادية تتعلق بآخر تطورات ومستجدات ملف أزمة سد النهضة بعد أن وصلت المفاوضات الثلاثية إلى طريق مسدود جراء التعنت الأثيوبي.
تقييم موقف
حسب تعميم صحفي صدر من وزارة الخارجية في الخرطوم أمس الأول، فإن الوكيل استعرض موقف السودان الساعي للتوصل لاتفاق شامل وعادل ومتوازن وملزم قانوناً حول ملء وتشغيل سد النهضة من خلال عملية تفاوضية جادة وفعالة تمكن الدول الثلاث السودان ومصر وأثيوبيا من الوصول للاتفاق المنشود. ولفت شريف لأهمية تفعيل المقترح السوداني الداعي لتطوير آلية المفاوضات الثلاثية من خلال تشكيل رباعية دولية بقيادة جمهورية الكونغو الديمقراطية الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي ومشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. وشدد على أن تسفر الجهود الدولية المبذولة حالياً عن إطلاق عملية تفاوضية جادة يتمخض عنها اتفاق شامل وعادل يراعي مصالح الدول الثلاث.
مناورات
العلاقات السودانية الروسية علاقات تاريخية أزلية وربطتها مصالح مشتركة في شتى المجالات وإن اعترتها مؤخراً بعض العثرات جراء اتفاق إقامة قاعدة روسية بالبحر الأحمر وقعها النظام البائد وجمدته الحكومة الانتقالية لحين إعادة التقييم والبحث عن مصالح السودان فيه, فإن الثابت أن العلاقات بين البلدين أصلًا تربطهما مصالح واواصر تعامل مشترك اكتسب مشروعيته من اللجان الثائية المشتركة سواء التشاور السياسي أو اللجنة الوزارية الثنائية المشتركة, غير أن الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الدكتورة مريم الصادق ربما أذابت بعضاً من الجليد الذي اعترى العلاقة جراء تجميد الاتفاق.
وفي الرسالة التي بعث بها وكيل الخارجية لرصيفه الروسى قرأ متابعون عبر سطورها أن السودان يرغب فى دور فعال تلعبه روسيا تجاه ملف سد النهضة وتحريك جموده, سيما وأن موسكو تربطها علاقات مميزة مع أديس أبابا.
يقول السفير والمحلل الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم إن الحكومة تسعى للقيام بمناورات لقطع الطريق أمام تركيا وقطر, بحسبان خلافاتهما المساندة للنظام القديم وفي ذات الصدد لا يريدون إحراجهما ويعتقد السفير جمال في حديثه لـ(الصيحة) أن موسكو يمكن أن تلعب دورًا مهماً باعتبار وزنها وثقلها الدولي وعلاقاتها مع أثيوبيا, أضف إلى ذلك أن رئيس الوزراء الأثيوبي أبى أحمد حالياً حسب السفير جمال في موقف ضعيف، واستبعد أن يشكل تجميد القاعدة الروسية من قبل الحكومة عقبة في أن تلعب موسكو دوراً إيجاباً لصالح تسوية ملف سد النهضة مستبعدًا أن يكون للقاهرة أي رد سلبي تجاه التدخل الروسي المسنود من أوربا والولايات المتحدة بجانب الوسيط الرئيسي الاتحاد الأفريقي، لافتاً إلى أن روسيا ومن خلفها الاتحاد الأوربي الأكثر تضررًا من وضع التوتر الأمني بأثيوبيا بسبب ازدياد موجات اللجوء والاتجار بالبشر، ويرى أن المنظمات الدولية والإقليمية لن تلعب دوراً بالشكل المطلوب وأن على الدول الثلاث مع الأطراف الدولية المساعدة كوسطاء, التوصل لحل يرضي كل الاطراف ويجعل من السد مشروع منصة لجلب المصالح لشعوب الدول الثلاث.
حضور رغم التجميد
رغم تجميد الحكومة الانتقالية قراراً أصدره النظام السابق قضى بالسماح للحكومة الروسية ببناء قاعدة روسية على البحر الأحمر, إلا أن كل التوقعات تشير إلى أن الملف ستتم تسويته بحيث يحصل السودان على مصالحه وهو ما تسعى إليه حكومة الثورة. مصادر روسية أشارت إلى أن موسكو على اتصال بكل الاطراف الحكومية بشقيها المدني والعسكرى فضلاً عن اتصالات مع القوى الاجتماعية والسياسية الأخرى وكل الأطراف وصولًا لحل، وتتوقع مصادر أن تكون القاعدة والمصالح التي تبحث عنها الأطراف محل بحث ضمن الملفات المتوقع التطرق لها خلال اجتماعات اللجنة السياسية المرتقبة.
و حسب مصادر عسكرية أن السودان يعمل على مراجعة الاتفاق خاصة وأنه لم يعرض على المجلس التشريعي ولم يجزه، سواء في النظام السابق أو الآن، وهذا يجعل الحكومة حرة لمراجعة الاتفاقية لتحقيق مصالح البلد وينصّ الاتفاق على أن لموسكو الحق أن تنقل عبر مرافئ ومطارات السودان “أسلحة وذخائر ومعدات” ضرورية لتشغيل هذه القاعدة البحرية.
دور إيحابي
إبان الجلسة الاستثنائية لمجلس الأمن والتي عقدت بناء على طلب تقدم به السودان وأيدته القاهرة بدا واضحًا أن موسكو وإلى جانبها بكين لديهما موقف مساند إلى حد كبير لأديس أبابا فيما يلي سد النهضه كما يرى السفير والأكاديمي الدكتور حسن بشير في حديثه لـ(الصيحة) أنه من غير الستبعد أن تطلب الخرطوم من موسكو لعب دور لصالح حسم ملف السد خاصة وأن لروسيا وكما للخرطوم مصالح مشتركة متبادلة، لافتاً إلى أن لروسيا مصالح خاصة تتعلق باتفاق بناء القاعدة العسكرية على البحر الأحمر المجمدة، أضف إلى ذلك فإن اجتماع اللجنة السياسية المرتقب يتوقع أن يبحث المصالح المشتركة في جوانبها المختلفة سياسية واقتصادية وتجارية تعود بالفائده للبلدين خاصة وأن الحكومة الانتقالية وضعت هدفاً هو البحث عن مصالح السودان وشعبه أينما وجدت.
تقرير: مريم أبشر
صحيفة الصيحة