حيدر المكاشفي يكتب : طامة قادمة اسمها الرسوم الدراسية

لا يفصلنا عن بداية العام الدراسي الجديد سوى أسبوع، هذا اذا صدقت الوزارة في الموعد المعلن، ولكن بافتراض أن العام الدراسي سيبدأ بالفعل في موعده دون أن تتوصل الوزارة الى صيغة توافق مع أصحاب المدارس الخاصة تنخفض بموجبها الرسوم الدراسية الفلكية المعلنة بواسطة أصحاب المدارس الخاصة الى مستوى معقول، حتى لو تم ذلك عن طريق تدخل من الحكومة بتحمل جزء من النفقات، أو باعفاء هذه المدارس من الرسوم الحكومية، أو بأي صيغة أخرى، فالمؤكد أن (طامة) كبرى في طريقها للحدوث، فقد أعلن أصحاب هذه المدارس عن أرقام مهولة للرسوم الدراسية تبلغ في حدها الأدنى (150) ألف جنيه للطالب الواحد، وهذا والله مبلغ خرافي يعجز السواد الأعظم من أولياء الأمور في تدبير نصفه دعك عنه كاملا حتى لو وجهوا كل ما يملكونه لهذا البند فقط، هذا غير الاحتياجات المعيشية الضرورية الأخرى في ظل هذا الغلاء الفاحش والمتصاعد كل يوم، والطامة المتوقع وقوعها من المتوقع أن تتخذ مسارين، مسار يتمثل في تسونامي احتجاجي كاسح ستواجه به الحكومة، والمسار الآخر يكون عبر موجات هجرة كثيفة من التعليم الخاص الى الحكومي على سوئه، ففي العام السابق عندما زادت المدارس الخاصة رسومها ولم تبلغ وقتها الرقم الخرافي المعلن اليوم، شهدنا موجة هجرة شملت الاف الطلاب من التعليم الخاص الى الحكومي، أما اليوم ومع الزيادات الجديدة فان أعداد المهاجرين ستبلغ أضعافا مضاعفة، ولن يبقى في المدارس الخاصة الا أبناء القلة من ذوي البسطة في المال والسلطة، ويتوجب على الحكومة في هذه الحالة أن توفر مقعدا لكل مهاجر، أو تلقي بهم الى الشارع فيصبحوا (فاقد تربوي) وتلك أم الفضائح..
المؤسف أن التفاعل الرسمي مع هذه القضية الخطيرة ما يزال ضعيفا ومهزوزا، وظلت الوزارة تتعامل مع الأمر بلا مبالاة وتهاون يكشف عن عدم ادراكها للخطورة البالغة لهذه الزيادات المهولة، وظلت وما انفكت حجتها الفطيرة والوحيدة هي أن القانون يلزم المدارس الخاصة بعدم زيادة الرسوم الا كل ثلاث سنوات وبعد التوافق مع مجالس الآباء واولياء الأمور، ولكن لم يحدث قط أن امتثلت المدارس الخاصة لهذا القانون، بل كانت تسخر وتهزأ من حجج الوزارة، وهنا أذكر أن احد اصحاب المدارس الخاصة استنكر تدخل الوزارة في (عمله الخاص)، وقال لا اسمح لأي كان أن يشاركني في وضع سعر (منتج يخصني)، معتبرا ان تحديد الرسوم حقا خالصا وحصريا لصاحب المدرسة و(الوسطاء يمتنعون)، ليس ذلك فحسب بل مضى هذا (اللميض) لتحديد مقامات ودرجات المدارس الخاصة، اذ قال ما معناه ان هناك مدارس سيوبر فاخرة خمسة نجوم تبلغ رسومها الاف الدولارات، وتتدرج هبوطا وانحدارا الى مستوى الترسو والمدرجات الشعبية وتبلغ رسومها ملايين الجنيهات..وأول ما يلاحظ على ملافظ هذا (اللميض) أنه جعل من العملية التعليمية (منتج) يخصه وحده مثله مثل أي سلعة كالبصل والبامية والشعيرية الخ، ان هذا الحال الذي عليه التعليم اليوم يؤشر للحقيقة الموجعة والمفزعة بأن التعليم أصبح سلعة، إنها والله جريمة في حق هذه الأجيال التي تحيطها المعاناة من كل جانب، فحتى التعليم على ما هو عليه من ضعف وتدن وترد لا يجدون إليه سبيلا ويحول بينهم وبينه سيل الرسوم المتدفق بلا توقف، فحين يصبح التعليم بضاعة معروضة في الأسواق يتنافس عليها الباعة (والما يشتري يتفرج) فقل على البلاد والعباد السلام، ففي الخبرة والتجربة العالمية أن من أهم نذارات خراب البلدان وتشليعها وضياعها، أن يتضعضع التعليم ويصبح سلعة ضمن معروضات سوق الله أكبر، وتسليع التعليم لا يعني سوى تشليعه، وتحويل التربية والتعليم من رسالة سامية إلى سلعة تجارية. حيث إنه يحول التعليم إلى بضاعة استهلاكية تباع وتشترى، وتخضع لقانون العرض والطلب، يستطيع البعض الحصول عليها بينما يعجز البعض الآخر عن ذلك، أي إن تسليع التربية والتعليم، يعني أن يعمل القائمين على مؤسسات التربية والتعليم كرجال أعمال يتنافسون لبيع منتجاتهم للمستهلكين، علما أن المنتج هنا هو التربية والتعليم، وأما المستهلكون فهم الطلبة وذويهم المغلوب على امرهم..ولله الامر من قبل ومن بعد ولا حول ولا قوة الا بالله..

صحيفة الجريدة

Exit mobile version